للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الرجل قد جفا عمر أمير المؤمنين بعدة أمور تثير الغضب، وتجعله عرضة للانتقام والتأديب.

أول هذه الأمور، قوله: هي يا ابن الخطاب، ولم يقل: يا أمير المؤمنين.

والثاني: قوله: والله ما تعطينا الجزل، يعني العطاء الكثير.

والثالث: وهو أقبح الأمور الثلاثة، قوله: ولا تحكم بيننا بالعدل.

ومع هذا كله حلم عنه عمر وعفا عنه، وصفح عندما سمع الآية، وسمع قول الحر: إن هذا من الجاهلين، ووقف عند الآية، ولم يعمل بغير ما دلت عليه، بل عمل بمقتضاها، رضي الله عنه وأرضاه (١) وهذا يدل على كمال حلمه وحكمته التي استفادها من هدي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فرسخت في ذهنه حتى كانت هيئة راسخة ثابتة في نفسه وخلقه.

وهذا يحتاج في بداية الأمر إلى جهاد وقوة، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (٢).

ولا شك أن الغضب يهدم الحلم وينافيه، وصاحب الغضب لا يكون حليمًا، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لمن قال أوصني: «لا تغضب» (٣).

والداعية إلى الله يستطيع أن يتصف بالحلم، ليكون حكيمًا، وذلك بعلاج الغضب إذا حل به ونزل، ولا يكون العلاج النافع إلا بما شرعه الله. وبينه رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم، فقد عمل على تربية المسلمين تربية قولية وفعلية عملية حتى يكونوا حلماء، حكماء.


(١) انظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري ١٣/ ٢٥٩، ٨/ ٣٠٥، ١٣/ ٢٥٠.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب ١٠/ ٥١٨، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب ٤/ ٢٠١٤.
(٣) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب ١٠/ ٥١٨، والحديث فيه: فردد مرارا، قال: " لا تغضب ".

<<  <  ج: ص:  >  >>