للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصدق هذا القائل فقد قال: قولًا صادقًا مطابقًا للحق (١)؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعرِ حكمة» (٢).

٤ - الحكمة تجعل الداعي إلى الله يقدر الأمور قدرها فلا يزهد في الدنيا والناس بحاجة إلى النشاط والجد والعمل، ولا يدعو إلى التبتل والانقطاع والمسلمون في حاجة إلى الدفاع عن عقيدتهم وبلادهم، ولا يبدأ بتعليم الناس البيع والشراء وهم في مسيس الحاجة إلى تعلم الوضوء والصلاة.

٥ - الحكمة تجعل الداعية إلى الله يتأمل ويراعي أحوال المدعوين وظروفهم وأخلاقهم وطبائعهم، والوسائل التي يُؤتَون من قبلها، والقدر الذي يبين لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع والتشويق في هذه الطريقة حسب مقتضياتها، ويدعو إلى الله بالعلم لا بالجهل، ويبدأ بالمهم فالذي يليه، ويُعلم العامة ما يحتاجونه بألفاظ وعبارات قريبة من أفهامهم ومستوياتهم، ويخاطبهم على قدر عقولهم، فالحكمة تجعل الداعية ينظر ببصيرة المؤمن، فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما يقتضيه الحال، وبذلك ينفذ إلى قلوب الناس من أوسع الأبواب، وتنشرح له صدورهم، ويرون فيه المنقذ الحريص على سعادتهم ورفاهيتهم وأمنهم واطمئنانهم، وهذا كله من الدعوة إلى الله بالحكمة التي هي الطريق الوحيد للنجاح.


(١) انظر: فتح الباري ١٠/ ٥٤٠، ٦/ ٥٣١، وشرح النووي على صحيح مسلم ٢/ ٣٣، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، ١٣/ ٣٥٤.
(٢) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الشعر والرجَزِ والحداء وما يكره منه، ١٠/ ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>