للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجمع هذا الحديث مقامات الدين كلها، فأمر بالاستقامة، وهي: السداد والإصابة في النيات والأقوال والأعمال، وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم لا يطيقون الاستقامة، فنقلهم إلى المقاربة، وهي أن يقرب الإنسان من الاستقامة بحسب طاقته، كالذي يرمي إلى الهدف، فإن لم يصبه يقاربه، ومع هذا أخبرهم صلى الله عليه وسلم أن الاستقامة والمقاربة لا تنجي يوم القيامة، فلا يعتمد أحد على عمله، ولا يعجب به، ولا يرى أن نجاته به، بل إنما نجاته برحمة الله، وعفوه، وفضله، فالاستقامة كلمة آخذة بمجامع الدين كله، وهي القيام بين يدي الله على حقيقة الصدق، والوفاء بالعهد، وهي تتعلق بالأقوال والأفعال والأحوال والنيات.

والداعية إلى الله يجب أن يكون من أعظم الناس استقامة، وبهذا- بإذن الله تعالى- لا يُخيِّب الله سعيه، ويجعل الحكمة على لسانه، وفي أفعاله، وتصرفاته، وهو تعالى ذو الفضل والإِحسان (١).

وأعظم الكرامة لزوم الاستقامة، وبذلك يقبل قول الداعية، ويقتدى بأفعاله، فيعطى بذلك خيرًا كثيرًا، وثوابًا جزيلًا، لِإخلاصه وصدق نيته، ورغبته فيما عند الله- عز وجل-، ويحصل على أحسن قول وعمل على الإطلاق، كما قال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣] (٢).

إن كلمة الدعوة حينئذ هي أحسن كلمة تقال في الأرض، وتصعد في مقدمة الكلم الطيب إلى السماء، ولكن مع العمل الصالح الذي يصدق الدعوة، ومع الاستسلام الكامل لله وحده، والاعتزاز بالإِسلام.

وبهذا يعلم أن هذه الآية اشتملت على ثلاثة شروط حتى يكون الداعية


(١) انظر: مدارج السالكين لابن القيم٢/ ١٠٥، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي١٥/ ٣٥٧.
(٢) سورة فصلت، الآية ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>