للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطر شديد، فتركه أملس لا شيء عليه (١) ومثل سبحانه الدنيا في زهرتها وسرْعة زوالها بالماء الذي ينزل من السماء فأنبت الكلأ والعشب، ثم صار بعد هذه النّضرة هشيما (٢) ومن أعظم ضرب الأمثال قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ - مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: ٧٣ - ٧٤] (٣).

حق على كل عبد أن يستمع لهذا المثل، ويتدبره حق تدبره؛ فإنه يقطع مواد الشرك من قلبه، فالآلهة التي تُعبَد من دون الله لن تقدر على خلق الذباب ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف بما هو أكبر منه، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مما عليهم من طيب ونحوه، فيستنقذوه منه، فلا هم قادرون على خلق الذباب الذي هو أضعف المخلوقات، ولا على الانتصار منه واسترجاع ما سلبهم إياه، فلا أعجز من هذه الآلهة الباطلة، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله؟!.

وهذا المثل من أبلغ ما أنزل الله تعالى في بطلان الشرك وتجهيل أهله (٤).

ومن أحسن الأمثال وأدلّها على بطلان الشرك، وخسارة صاحبه، وحصوله على ضد مقصوده، قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ - إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ - وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: ٤١ - ٤٣] (٥) فهذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره يقصد به التعزز والتقوي والنفع، فبين- سبحانه- أن


(١) انظر: سورة البقرة، الآية: ٢٦٤.
(٢) انظر: سورة الكهف، الآية: ٤٥، وسورة يونس، الآية: ٢٤، وسورة الحديد، الآية: ٢٠.
(٣) سورة الحج، الآيتان: ٧٣، ٧٤.
(٤) انظر: تفسير البغوي ٣/ ٢٩٨، وأمثال القرآن لابن القيم ص ٤٧، والتفسير القيم لابن القيم ص ٣٦٨، وتفسير ابن كثير ٣/ ٢٣٦، والبرهان في علوم القرآن، للزركشي ١/ ٤٨٦، والإتقان في علوم القرآن، للسيوطي ٢/ ١٠٤١، وفتح القدير للشوكاني ٣/ ٤٧٠، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للسعدي، ٥/ ٣٢٦.
(٥) سورة العنكبوت، الآيات: ٤١ - ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>