للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء ضعفاء، وأن الذين اتخذوهم أولياء من دون الله أضعف منهم، فهم في ضعفهم وما قصدوه "من اتخاذ الأولياء كالعنكبوت التي هي من أضعف الحيوانات، اتخذت بيتا وهو من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا، وكذلك من اتخذ من دون الله أولياء، فإنهم ضعفاء، وازدادوا باتخاذهم ضعفا إلى ضعفهم (١) ومن أبلغ الأمثال التي تُبيّن أن المشرك قد تشتت شمله واحتار في أمره، ما بيّنه الله عز وجل بقوله: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٢٩] (٢) فهذا مثل ضربه الله تعالى للمشرك والموحد، فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى مُثِّلَ بعبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون، سيئة أخلاقهم، متنافسون في خدمته، لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، فهو في عذاب. والموحد لما كان يعبد الله وحده لا شريك له، فمثله كمثل عبد لرجل واحد، قد سلم له، وعلم مقاصده، وعرف الطريق إلى رضاه، فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه واختلافهم، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه، مع رأفة مالكه به، ورحمته له، وشفقته عليه، وإحسانه إليه، وتوليه لمصالحه، فهل يستوي هذان العبدان؛ والجواب: كلَّا. لا يستويان أبدا (٣) والقرآن فيه كثير من ضرب الأمثال (٤).

وضرب النبي صلى الله عليه وسلم الأمثال في دعوته، ومن ذلك تمثيل الجليس الصالح بحامل المسك، والجليس السوء بنافخ الكير (٥) وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه جمع بين الترغيب والحثّ على مجالسة من يُستفاد من مجالسته في الدين والدنيا، وحذّر من مجالسة من يتأذّى بمجالسته فيهما (٦).


(١) انظر: تفسير البغوي ٣/ ٤٦٨، وأمثال القرآن لابن القيم ص ٢١، وفتح القدير للشوكاني ٤/ ٢٠٤.
(٢) سورة الزمر، الآية: ٢٩.
(٣) انظر: تفسير البغوي، ٤/ ٧٨، والتفسير القيم لابن القيم، ص ٤٢٣، وتفسير ابن كثير، ٤/ ٥٢، وفتح القدير للشوكاني، ٤/ ٤٦٢، وتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي، ٦/ ٤٦٨.
(٤) انظر: أمثال القرآن لابن القيم ص ٥٠ - ٥٢.
(٥) انظر: البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك، ٦/ ٢٧٨، برقم ٥٥٣٤، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء، ٤/ ٢٠٢٦، برقم ٢٦٢٨.
(٦) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي ١٦/ ٤١٧، وفتح الباري لابن حجر، ٤/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>