للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: من أساليب الدعوة: الجدل: الجدل بالتي هي أحسن من أساليب الدعوة؛ ولهذا استخدمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث في المجادلة في أول الأمر، فقال لليهود: «إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقي عنه فقالوا: نعم. فقال: "من أبوكم؟ " قالوا: فلان، فقال: "كذبتم بل أبوكم فلان" قالوا: صدقت. قال: "فهل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم عنه؛ " فقالوا؛ نعم، وإن كذبنا عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم: "من أهل النار؟ " قالوا: نكون فيها يسيرًا ثم تخلفونا فيها، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اخسئوا فيها والله لا نخلفكم فيها أبدا» وقد دل هذا الجدل على القوة والغلظة على اليهود؛ لأنهم ظلموا وكذبوا ولم ينقادوا؛ قال الله عز وجل: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت: ٤٦] (١) وهذا يؤكد أن الجدال بالتي هي أحسن إنما يكون مع من استمع للحق ولم يتجاوز حدود الأدب، فإذا تجاوز ذلك أغلظ عليه عند القدرة كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: ٩] (٢) وهذا فيه تأكيد على أهمية استخدام الجدل على حسب أحوال المجادل، والله المستعان (٣).

رابعا: من صفات الداعية: العفو: ظهر في هذا الحديث أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يعاقب اليهود بالقتل، أو غيره انتقاما لنفسه، ولكنه عفا وصفح، وقد أكل معه من أصحابه من الشاة: بشر بن البراء ومات بعد ذلك بسبب السم فقتل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اليهودية التي سمته قصاصا بالبراء، أما هو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقد عفا عنها؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٤) فينبغي للداعية أن يعفو ويصفح ولا ينتقم لنفسه إلا أن يجاهد في سبيل الله لنصر الإِسلام (٥).


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٤٦.
(٢) سورة التحريم، الآية: ٩.
(٣) انظر: الحديث رقم ١٢٩، الدرس الرابع.
(٤) انظر: البداية والنهاية لابن كثير، ٤/ ٢٠٨ - ٢١٢، وفتح الباري لابن حجر، ٧/ ٤٩٧.
(٥) انظر: الحديث رقم ٨٠، الدرس الثالث، ورقم ١٠٥، الدرس الرابع.

<<  <  ج: ص:  >  >>