للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما حصل له من السحر فلا شك فيه؛ لأن أهل السنة وجمهور العلماء من الأمة على إثبات السحر وأن له حقيقة، كحقائق غيره من الأشياء الثابتة خلافا لمن أنكره ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز، وذكر أنه مما يُتَعَلَّم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر بتعلمه، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله مما لا يمكن أن يكون فيما لا حقيقة له، وكيف يُتعلَّم ما لا حقيقة له؛ (١).

وذكر الإِمام القرطبي رحمه الله: أن حديث عائشة رضي الله عنها يدل على أن السحر موجود، وأن له أثرا في المسحور بإذن الله عز وجل، قال: "وقد دل على ذلك مواضع كثيرة من الكتاب والسنة، بحيث يحصل بذلك القطع بأن السحر حق، وأنه موجود، وأن الشرع قد أخبر بذلك، كقصة سحرة فرعون "، ثم قال: "وبالجملة فهو أمر مقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن وجوده، ووقوعه، فمن كذب بذلك فهو كافر، مكذب لله ولرسوله، منكر لما عُلم مشاهدة وعيانًا. . . " (٢).

أما ما حصل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنما سلط السحر على جسده وظاهر جوارحه، لا على عقله وقلبه واعتقاده (٣) وقد بين الإِمام المازري، والإِمام القرطبي، والإِمام النووي رحمهم الله: أن بعض المبتدعة أنكر هذا الحديث، وزعم أنه يحط من منصب النبوة ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ بقوله وفعله وتقريره، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بسببها، ولا كان مفضلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له (٤).


(١) انظر: المعلم بفوائد مسلم، لأبي عبد الله محمد بن علي المازري ٣/ ٩٣، وشرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٤٢٤ - ٤٢٥، وبدائع الفوائد لابن القيم ٢/ ٢٢٧، وفتح الباري لابن حجر، ١٠/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٥/ ٥٦٨ - ٥٦٩.
(٣) انظر: المعلم بفوائد مسلم للمازري، ٣/ ٩٣، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٥/ ٥٧٠، وشرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٤٢٥، وفتح الباري لابن حجر، ١٠/ ٢٢٧.
(٤) انظر: المعلم بفوائد مسلم، للمازري، ٣/ ٩٣، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٥/ ٥٧٠ وشرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>