للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك أن طاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال، فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم، فهذا لا يكلمه الله يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب أليم (١) ويحرم الخروج على إمام المسلمين وفاء بالعهد والبيعة؛ لقول الله عز وجل: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل: ٩١] (٢) وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] (٣) ومعلوم أن العقود هي: العهود والمواثيق التي يجب على المسلم التزامها وعدم نقضها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ [وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ]، وَرَجُلٌ أَقَامَ سِلْعَتَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا كَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ رَجُلٌ. ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: ٧٧]» (٤)؛ ولعظم الوفاء ببيعة الإمام المسلم قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ". . . «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ» (٥) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مَيْتَةَ جَاهِلِيَّةٍ (٦) وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ (٧) يَغْضَبُ


(١) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ٣٥/ ١٦ - ١٧.
(٢) سورة النحل، الآية: ٩١.
(٣) سورة المائدة، الآية: ١.
(٤) متفق عليه: البخاري، كتاب المساقاة، باب إثم من منع ابن السبيل من الماء، ٣/ ١٠٥، برقم ٢٣٥٨، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار والمن بالعطية وتنفيق السلعة بالحلف وبيان الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة، ١/ ١٠٣، برقم ١٠٨، وما بين المعكوفين منه، والآية من سورة آل عمران: ٧٧.
(٥) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب الوفاء ببيعة الخلفاء الأول فالأول، ٣/ ١٤٧٣، برقم ١٨٤٤، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(٦) ميتة جاهلية: أي مات على صفة موتهم من حيث هم فوضى لا إمام لهم. شرح النووي على صحيح مسلم، ١٢/ ٤٨١، وليس المراد أنه يموت كافرا، بل يموت عاصيا. فتح الباري لابن حجر، ١٣/ ٧.
(٧) عمية: أي الأمر الأعمى لا يستبين وجهه. كذا قاله أحمد والجمهور. شرح النووي على صحيح مسلم ١٢/ ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>