للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن حجر رحمه الله: ". . . فإن وقعت الفتنة ترجحت العزلة؛ لما ينشأ فيها غالبا من الوقوع في المحذور, وقد تقع العقوبة بأصحاب الفتن فتعم من ليس من أهلها. . . " (١).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " أن المخالطة إن كان فيها تعاون على البر والتقوى فهي مأمور بها، وإن كان فيها تعاون على الإثم والعدوان منهي عنها، وذكر أن العبد لا بد له من انفراد بنفسه: في دعائه، وذكره، وصلاة النافلة، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، ومما يختص به من الأمور التي لا يشركه فيها غيره " (٢).

فينبغي للداعية أن يراعي هذه الضوابط، ويعمل بالأصلح المشروع، ويتذكر ما جاء في الحديث: " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم " (٣) فإذا كان لا بد من العزلة؛ لأجل الفتن المضلة اعتزل الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان خير مال الرجل المسلم الغنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر, يفرّ بدينه من الفتن» (٤) وإذا كان الأمر ليس كذلك، فمخالطة الناس ودعوتهم إلى الخير خير وأفضل وأعظم من العزلة (٥) والله المستعان.

ثالثا: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: إن في هذا الحديث ما يؤكد على مراعاة أحوال السائلين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن: أفضل الأعمال، وأفضل الناس, فكانت إجابته على حسب أحوال السائلين, ففي حديث أبي سعيد رضي الله عنه هذا قال في أفضل الناس: «مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله قالوا: ثم من؟ قال: " مؤمن في شعب من


(١) فتح الباري لابن حجر ١٣/ ٤٣، وانظر: نفس المرجع ١١/ ٣٣١ - ٣٣٢.
(٢) انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية ١٠/ ٤٢٥ - ٤٢٦.
(٣) ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الصبر على البلاء، ٢/ ١٣٣٨، برقم ٤٠٣٢، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأحمد ٥/ ٣٦٥، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ٢/ ٣٧٣.
(٤) البخاري، كتاب الرقاق، باب العزلة راحة من خلاَّط السوء، ٧/ ٢٤١، برقم ٦٤٩٥.
(٥) انظر: شرح رياض الصالحين للعلامة ابن عثيمين ٦/ ١٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>