للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الله - عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: ٢٣] (١).

وفي هذا الحديث قال أنس بن النضر - رضي الله عنه: " لئن أشهدني الله قتال المشركين ليريَنَّ الله ما أصنع " وقد وفى بما عاهد الله عليه حتى اشتهر ذلك عند الصحابة - رضي الله عنهم؛ ولهذا قال أنس بن مالك - رضي الله عنه: " كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه ": {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٢٣]

قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: " وفي قصة أنس بن النضر من الفوائد: جواز بذل النفس في الجهاد، وفضل الوفاء بالعهد ولو شق على النفس حتى يصل إلى إهلاكها " (٢).

فينبغي للداعية أن يعتني بعهده؛ فإن ذلك من أعظم صفات الداعية الصادق.

ثالثا: من صفات الداعية: الرغبة فيما عند الله عز وجل: لا ريب أن من رجا شيئا طمع فيه وطلبه ورغب فيه (٣). وقد دل هذا الحديث على أن الرغبة فيما عند الله تعالى والطمع في رضاه من صفات الداعية، وذلك في قول أنس بن النضر - رضي الله عنه: " يا سعد بن معاذ: الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد " (٤). ثم تقدم فقاتل حتى قتل، وما ذلك إلا لرغبته فيما عند الله - عز وجل.

فينبغي للداعية أن يرغب فيما عند الله، سبحانه تعالى، ويطمع في رضاه، قال الله عز وجل: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى: ٣٦] (٥) وهذا يوضح أهمية الرغبة فيما عند الله عز وجل (٦).


(١) سورة الأحزاب، الآية: (٢٣).
(٢) فتح الباري ٦/ ٢٣.
(٣) قال ابن القيم - رحمه الله: " الفرق ببن الرغبة والرجاء: أن الرجاء طمع، والرغبة طلب، فهي ثمرة الرجاء، فإنه إذا رجا الشيء طلبه، والرغبة من الرجاء كالهرب من الخوف، فمن رجا شيئا طلبه ورغب فيه، ومن خاف شيئا هرب منه ". مدارج السالكين ٢/ ٥٥.
(٤) قال الإمام النووي: " محمول على ظاهره، وأن الله - تعالى - أوجده ريحها من موضع المعركة، وقد ثبتت الأحاديث أن ريحها توجد من مسيرة خمسمائة عام " شرح صحيح مسلم، ١٣/ ٥٢.
(٥) سورة الشورى، الآية: (٣٦).
(٦) انظر: الحديث رقم ١٣، الدرس الثاني، ورقم ١٦، الدرس الثالث، ورقم ٢١، الدرس السادس.

<<  <  ج: ص:  >  >>