للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من صفات الداعية: الحلم: ظهر في هذا الحديث: الحلم؛ فإن الأعراب سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى ألجؤوه إلى شجرة السمر فخطفت رداءه، ومع هذا الأذى لم يغضب - صلى الله عليه وسلم - ولم يتضجَّر بل حلم عليهم، وصبر على أذاهم وجفائهم، وكم حدث له - صلى الله عليه وسلم - من الصبر على جفاة الأعراب وقلة أدبهم؟ ولم يعاقبهم بقوله ولا فعله عليه الصلاة والسلام (١) وهذا يعطي الداعية قدوة في الحلم وتَحَمّل الأذى والسكون عند الغضب أو المكروه مع القدرة، والقوة، والصفح والعقل (٢).

فينبغي للداعية أن يضبط نفسه عند هيجان الغضب، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة؛ لما في كظم الغيظ من كتمان ومقاومة واحتمال؛ وقد مدح الله -تعالى - الكاظمين الغيظ ووعدهم بالجنة {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ - الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٣ - ١٣٤] (٣) ومما يزيد الداعية رغبة في الحلم وشوقا إلى الاتِّصاف به مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - الحلم وتعظيم أمره، وأنه من الخصال التي يحبها الله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم - للأشج: «إنَّ فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» (٤)؛ ولهذا الفضل العظيم قال الأشجّ رضي الله عنه: " الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله " (٥).

والحلم الممدوح الذي يحتاجه الداعية في دعوته هو حالة متوسطة بين رذيلتين: الغضب والبلادة، فإذا استجاب الداعية لغضبه بلا تعقل ولا تصبّر كان على رذيلة، وإن تبلَّد وضيَّع حقه ورضي بالهضم والظلم كان على رذيلة، وإن تحلَّى بالحلم وتخلَّق به مع القدرة، وكان حلمه مع من يستحقه كان على


(١) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٦/ ٢٥٤، وإرشاد الساري للقسطلاني ٥/ ٥٤.
(٢) انظر: المعجم الوسيط، لمجمع اللغة العربية، مادة: " حلم " ١/ ١٩٤.
(٣) سورة آل عمران، الآيتان (١٣٣، ١٣٤).
(٤) مسلم، كتاب الإِيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله، ١/ ٤٨ برقم ١٧.
(٥) أبو داود، كتاب الأدب، باب قبلة الجسد، ٤/ ٣٥٧، برقم ٥٢٢٥، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٣/ ٩٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>