للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من صيام التطوع؛ ولهذا كان أبو طلحة رضي الله عنه يترك صيام التطوع؛ لِيَتَقَوَّى على الجهاد في سبيل الله عز وجل؛ لعلمه رضي الله عنه بفضل الجهاد ومكانته من الدين (١).

ثانيا: من القواعد الدعوية: عمل أعْلَى المصلحتين عند التعارض: دل الحديث على هذه القاعدة العظيمة، وأن المسلم وخاصة الداعية إلى الله عز وجل إذا تعارضت عنده مصلحتان ولا يستطيع الجمع بينهما؛ فإنه يأخذ بأعلاهما أجرا وثوابا وفائدة؛ ولهذا قَدَّم أبو طلحة رضي الله عنه الجهاد على صيام التطوع؛ لأن الجهاد من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل وهذا يبين للداعية أهمية الأخذ بأعلى المصالح، والبدء بالأهم فالمهم (٢).

ثالثا: من صفات الداعية: الحرص على فعل الخير: يظهر في هذا الحديث أن من الصفات الحميدة الحرص على فعل الخير، وأن ذلك من أهم الصفات التي ينبغي أن يتصف بها الداعية إلى الله عز وجل؛ ولهذا حرص أبو طلحة على الجهاد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وترك ما يضعفه عنه من صيام التطوع، فلما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقوي الإِسلام واشتدت وطأة المسلمين على العدو، ورأى أنه في سعة عما كان عليه من الجهاد، حرص على أن يأخذ بحظه من الصوم؛ ليجمع بين هاتين الطاعتين العظيمتين رضي الله عنه (٣).

وهذا يبين للمسلم وخاصة الداعية أهمية الحرص على عمل الخير، والمبادرة إليه: من الصيام المشروع، وغيره من الطاعات التي تجعله قدوة صالحة لغيره من الناس، ولعل قول أنس رضي الله عنه عن أبي طلحة رضي الله عنه " لم أره مفطرا إلا يوم فِطر أو أضحى " كناية عن كثرة الصيام لا عن صيام الدهر، والله


(١) انظر: عمدة القاري للعيني ١٤/ ١٢٦، ومنار القاري في شرح مختصر صحيح البخاري، لحمزة محمد قاسم ٤/ ٩٤، وانظر: الحديث رقم ١٨ الدرس الخامس.
(٢) انظر: فتح الباري لابن حجر ٦/ ٤٢، وعمدة القاري للعيني ١٤/ ٢٦، والفتح الرباني، ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، لأحمد بن عبد الرحمن البنا، ٢٢/ ٣٩٠.
(٣) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ٦/ ٤٢، وعمدة القاري، للعيني، ١٤/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>