للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي للداعية أن يضبط نفسه عند هيجان الغضب، وهذا يحتاج إلى مجاهدة شديدة وصبر عظيم؛ لما في كظم الغيظ من كتمان ومقاومة (١).

سادسا: من صفات الداعية: التغافل عن سفه المبطلين إذا أمنت المفسدة: دل هذا الحديث على أن من الصفات الحميدة أن يتغافل الداعية عن سفه المبطلين والمعارضين لدعوته، وإذا سمع كلاما قبيحا وفحشا من القول فكأنه لم يسمعه إعراضا عن الجاهلين؛ ولهذا أعرض - صلى الله عليه وسلم - عن اليهود عندما قالوا " السام عليك " ولم يزد على قوله صلى الله عليه وسلم: " وعليكم "؛ قال النووي رحمه الله: " وفي هذا الحديث استحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم تترتب عليه مفسدة " (٢). فالكيس العاقل هو الفطن المتغافل عن الزلات، وسقطات اللسان إذا لم يترتب على ذلك مفاسد، والله المستعان (٣). وقد مدح الله - عز وجل - المؤمنين الذين يدرؤون بالحسنة السيئة فقال سبحانه وتعالى: {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ - وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص: ٥٤ - ٥٥] (٤). وقال - عز وجل - في صفات عباد الرحمن: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} [الفرقان: ٦٣] (٥).

سابعا: أهمية تدريب الداعية نفسه ولسانه على الأدب: دل هذا الحديث على أهمية تدريب الداعية نفسه ولسانه على الآداب الحميدة، والألفاظ الكريمة؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: «عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش» فقد حذر - صلى الله عليه وسلم - عن التعدي في القول والجواب؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والذي يظهر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد أن لا يتعود لسانها بالفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السب " (٦).


(١) انظر: الحديث رقم ٣٥، الدرس الثاني.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٤/ ٣٩٨.
(٣) انظر: المرجع السابق ١٤/ ٣٩٨.
(٤) سورة القصص، الآيتان: ٥٤ - ٥٥.
(٥) سورة الفرقان، الآية: ٦٣.
(٦) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ١١/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>