للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من صفات الداعية: الثبات والصبر: ظهر في هذا الحديث أن الصبر والثبات صفة حميدة من صفات الدعاة إلى الله عز وجل، ولهذا جاء في هذا الحديث: «فسألنا نافعا على أي شيء بايعهم، على الموت؟ قال: لا، بايعهم على الصبر»، وقد ثبت في غير هذا الحديث أن الصحابة بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على الموت، فعن مولى سلمة بن الأكوع قال: «سألت سلمة على أي شيء بايعتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية؟ قال: على الموت» (١) قال ابن حجر - رحمه الله - على حديث سلمة هذا: " فدل ذلك على أنه لا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولابد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: " بل بايعهم على الصبر " أي على الثبات وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا، والله أعلم " (٢).

فينبغي للداعية أن يتحلى بالصبر والثبات في جميع المواطن (٣).

ثالثا: محبة الصحابة - رضي الله عنهم - لرسول الله صلى الله عليه وسلم: دل هذا الحديث على محبة صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له، محبة عظيمة فاقت محبة النفس، والولد، والوالد، والناس أجمعين؛ ولهذا بايعوه - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على الثبات وعدم الفرار، ولو وصل بهم هذا الثبات إلى الموت رضي الله عنهم، ولهذا فازوا برضوان الله. قال الله عز وجل: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: ١٨] (٤).

وهذا كله يدل على المحبة العظيمة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم وأرضاهم وحشرنا جميعا في زمرتهم (٥).


(١) متفق عليه: البخاري، كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، ٥/ ٧٨، برقم ٤١٦٩، ومسلم، كتاب الإمارة، باب استحباب مبايعة الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة، ٣/ ١٤٨٦ برقم ١٨٦٠.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ١١٨.
(٣) انظر: الحديث رقم ٢٧، الدرس الأول، ورقم ٢٨، الدرس السادس.
(٤) سورة الفتح، الآية: ١٨.
(٥) انظر: الحديث رقم ٦٢، الدرس الثامن، ورقم ٦٣، الدرس الثامن أيضا.

<<  <  ج: ص:  >  >>