للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي للداعية أن لا يشدد ولا يشق على الناس؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم محذرا عن التشديد على أمته: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به» (١) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث من أصحابه في بعض أموره قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسرِّوا ولا تعسرِّوا» (٢).

سادسا: من صفات الداعية: الورع والتوقف في الفتوى عند الإشكال: ظهر في هذا الحديث أن من الصفات الحميدة: الورع؛ ولهذا توقف عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه في الإِفتاء عندما أشكل عليه الأمر؛ قال الإِمام ابن هبيرة رحمه الله: " في هذا الحديث ورع ابن مسعود وترفعه عندما لم يعلم " (٣) وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " ويستفاد منه التوقف في الإِفتاء فيما أشكل من الأمر، كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهِّي وكلفه من ذلك ما لا يطيق فإن أجابه بوجوب طاعة الإِمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد، وإن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر؛ لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة، فالصواب التوقف عن الجواب في مثل ذلك وأمثاله، والله الهادي إلى الصواب " (٤) والله المستعان والموفق (٥).

سابعا: من أساليب الدعوة: التوكيد بالقسم: إن أسلوب التأكيد بالقسم له تأثير بليغ في الدعوة إلى الله عز وجل ولهذا استخدمه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في هذا الأثر فقال للسائل: " والله ما أدري ما أقول لك. . . " وقال في آخر الحديث: " والذي لا إله غيره ما أذكر ما غبر من الدنيا إلا كالثغب. . " والقسم يستخدم عند الحاجة إليه في الدعوة إلى الله


(١) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب فضيلة الإِمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ٣/ ١٤٥٨، برقم ١٨٢٨ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه.
(٢) مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الأمر بالتيسير، وترك التنفير، ٣/ ١٣٥٨ برقم ١٧٣٢، عن أبي موسى رضي الله عنه.
(٣) الإفصاح عن معاني الصحاح، ٢/ ٩٢، وانظر: عمدة القاري للعيني ١٤/ ٢٢٦.
(٤) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ١٢٠، وانظر: إرشاد الساري للقسطلاني ٥/ ١٢١.
(٥) انظر: الحديث رقم ٣٨، الدرس الأول.

<<  <  ج: ص:  >  >>