للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على عفوه صلى الله عليه وسلم العظيم وصفحه؛ فإن بعض هؤلاء قد أوقع بالمسلمين الوقائع ومَثَّلَ بهم في المعارك، فأدركه الله برحمته ومنَّ عليه بالإِسلام، ثم عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (١).

خامسا: من وسائل الدعوة وأسباب النصر: إظهار القوة والنشاط أمام الأعداء: إن من وسائل الدعوة وأسباب النصر إظهار القوة والنشاط أمام أعداء الإِسلام؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم العباس فقال: «احبس أبا سفيان عند حطم الخيل حتى ينظر إلى المسلمين» فحبسه العباس، فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان كتيبة كتيبة، حتى استعظم ذلك أبو سفيان ورأى كثرتهم العظيمة، ومن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن أمر بحبسه عند المكان المتضايق الذي تتحطم فيه الخيل ويدوس بعضها بعضا، ويزحم بعضها بعضا، فيراها أبو سفيان جميعا؛ لتكثر في عينه بمرورها في ذلك الموضع الضيق (٢).

وهذا العمل المبارك من أعظم وسائل الدعوة، ومن أسباب النصر؛ لما يحدث في قلوب الأعداء من الخوف والجزع؛ ولهذا قال الله عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: ٦٠] (٣).

سادسا: من صفات الداعية: حسن الخلق: لا ريب أن حسن الخلق من الصفات العظيمة التي ينبغي لأهل العلم والإِيمان الاتصاف بها؛ ولهذا كان قدوة الدعاة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا. وفي هذا الحديث ما يؤكد ذلك، وذلك أن سعد بن عبادة رضي الله عنه عندما مر بأبي سفيان قال: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الكعبة، فأفزع ذلك أبا سفيان فانتظر، وعندما مر النبي صلى الله عليه وسلم وكتيبته قال أبو سفيان: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: " ما قال؟ " قال: قال: كذا وكذا فقال رسول الله


(١) انظر: الحديث رقم ٨٠، الدرس الثالث.
(٢) انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الحاء مع الطاء، مادة: " حطم " ١/ ٤٠٤، وفتح الباري لابن حجر، ٨/ ٧، وعمدة القاري للعيني ١٧/ ٢٧٨، وإرشاد الساري، للقسطلاني ٦/ ٣٩٠.
(٣) سورة الأنفال، الآية ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>