للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فينبغي للداعية أن يصبر على الابتلاء والأذى، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة (١).

خامسا: من صفات الداعية: الاعتزاز بطاعة الله عز وجل: دل فعل عبد الله بن الزبير وقوله رضي الله عنه على اعتزازه وسروره بطاعة الله عز وجل، وذلك أن أهل الشام كانوا يعيِّرونه بقولهم: " يا ابن ذات النطاقين " فقالت له أسماء: " يا بني إنهم يعيرونك بالنطاقين. وهل تدري ما كان النطاقان؟ إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت قربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحدهما، وجعلت في سفرته آخر " فكان أهل الشام إذا عيروه بالنطاقين يقول: " إيها والإِله تلك شكاة ظاهر عنك عارها ". وهذا يبين اعتزازه رضي الله عنه بذلك؛ لأن خدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجهيزه في سفره من أعظم الطاعات، وأعلى القربات؛ ولهذا استزادهم من قولهم كما قال ذلك الحافظ ابن حجر (٢) رحمه الله فإن كلمة " إيهِ " يراد بها الاستزادة، وأما كلمة: " إيها " فهي أمر بالسكوت وقطع الكلام. وذكر ابن حجر رحمه الله أن بعض علماء اللغة حَرَّروا، أن كلمة " إيها " بالتنوين للاستزادة، وبغير التنوين " إيها " لقطع الكلام، فصار معنى " إيها " مثل " إيهِ " للاستزادة (٣) وهذا مقصود عبد الله بن الزبير؛ لأنه رغب في الاستزادة؛ لشرف خدمة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وقد مدح الله المعتزين بدينهم الإِسلام فقال عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣] (٤) فقوله: {إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: ٣٣] فيه اعتزاز وفخر بالإِسلام.

سادسا: أهمية أدب المدعو مع الدعاة والعلماء: ظهر في هذا الحديث أن أهل الشام أساءوا الأدب مع عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعيَّروه بعمل أمه المبارك في خدمة رسول الله ذ وتجهيزه للهجرة؛ ولهذا قال عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: " تلك شكاة ظاهر عنك عارها " والشكاة: " رفع


(١) انظر: الحديث رقم ٩، الدرس الثامن، ورقم ٦٦، الدرس الأول.
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٩/ ٥٣٣.
(٣) انظر: المرجع السابق، ٩/ ٥٣٣.
(٤) سورة فصلت، الآية ٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>