للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الإِعراض بالدعوة الصادقة، فإن لم تجْدِ فالجهاد في سبيل الله عز وجل.

التاسع عشر: من وسائل الدعوة: استخدام القوة عند الحاجة: دل هذا الحديث على أن من وسائل الدعوة النافعة استخدام القوة عند الحاجة إذا لم ينفع الرفق واللين؛ وقد جاء في هذا الحديث: «فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأوَّل في العفوِ ما أمره الله به حتى أذن له فيهم، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار وسادة قريش قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفار وسادة قريش»، وهذا فيه دلالة على أن القوة عند الحاجة إليها من أعظم وسائل الدعوة إلى الله عز وجل، فإذا لم يؤثر الرفق واللين، والعفو والصفح، في أصناف المدعوين: من الملحدين، والمشركين، وأهل الكتاب، ولم يستفيدوا من الأدلة والبراهين العقلية والنقلية، والمعجزات الحسية، ولم ينقادوا للجدال بالتي هي أحسن، وأعرضوا وكذبوا، فحينئذٍ يكون آخر الطب الكي: وهو استخدام القوة تحت لواءِ ولي أمر المسلمين؛ فإن لذلك الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع الباطل وأهله، ونصر الحق وأهله؛ قال الله عز وجل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: ٢٥] (١) ولقد أحسن القائل:

وما هوَ إلّا الوحْي أوحَدّ مرْهَفٍ (٢) ... تميل ظبَاه (٣) أخَدعَي كلِّ مائِلِ

فَهَذا دَوَاء الدَّاءِ مِنْ كلِّ عَالمٍ ... وَهذا دَواء الدَّاءِ من كلِّ جاهل

هَوَ الحَقّ إنْ تَسْتَيقظوا فيه تَغْنَموا ... وإِنْ تَغْفلوا فالسَّيف لَيْسَ بِغَافِلِ (٤)


(١) سورة الحديد، الآية ٢٥.
(٢) المرهف السيف المحدد المسنون، يقال؛ رهف سيفه: رققه وحدده. انظر: المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية، مادة: " رهف " ١/ ٣٧٧.
(٣) الظبة: حد السيف والسنان والخنجر، وما أشبهها، والجمع ظبا وظبات. انظر: المرجع السابق، مادة: " الظبة " ٢/ ٥٧٥.
(٤) ديوان أبي تمام، بشرح الخطيب التبريزي، ٣/ ٨٦ - ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>