للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه الصفة الحميدة؛ ولهذه الصفة عمل عبد الله بن عتيك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمورًا تدل على ذكائه وفطنته: منها: دخوله في مربط الدواب؛ ليتمكن من دخول الحصن، وخروجه مع من يخرج يبحث معهم عن الحمار؛ ليظهر لهم أنه يطلبه معهم، وانتباهه لمكان المفاتيح؛ ليتمكن من قبضها، وتقنعه بثوبه كأنه يقضي حاجته حتى لا يفطن له، وأخذه المفاتيح وإغلاقه أبواب بيوتهم عليهم من ظاهر وإغلاقه الأبواب على نفسه من داخل حتى لا يستطيعوا الوصول إليه إذا علموا به، ونداؤه لأبي رافع عندما لم يستطع الحصول على مكانه في البيت المظلم، وتغييره لصوته ونداؤه مرة أخرى لأبي رافع؛ ليعرف مكانه ثم يجهز عليه فيتحقق من قتله، وهذه أمور تدل على ذكاء عبد الله بن عتيك وفطنته رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. فينبغي للداعية أن يكون ذكيا فطنًا منتبها. والله المستعان (١).

ثالثًا: من صفات الداعية: الشجاعة: ظهرت صفة الشجاعة في هذا الحديث من فعل عبد الله بن عتيك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لأنه عمل أعمالًا تدل على شجاعته وقوة قلبه وعقله؛ حيث دخل في حصن أبي رافع بن أبي الحقيق، وكان متسترًا في تلك الجموع الكثيرة: من الحراس، والضيوف وغيرهم، فتجسس على هذا الطاغية حتى قتله؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وفي هذا الحديث جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر (٢) وجواز التجسس على أهل الحرب وتطلب غرتهم، والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إبهام القول للمصلحة. . . " (٣).

فينبغي للداعية أن يكون شجاعًا عقليًّا وقلبيًّا في أموره كلها، والله الموفق (٤).

رابعًا: من وسائل الدعوة: قتل الإمام كل من آذى الله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دل هذا الحديث على أن من وسائل الدعوة قتل كل من صدر منه أذىً لله أو


(١) انظر: الحديث رقم ٢٩، الدرس الأول.
(٢) وأصر: أي استمر على كفره ومحاربته الإسلام والمسلمين. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، باب الصاد مع الراء، مادة "صرر" ٣/ ٢٢.
(٣) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٧/ ٣٤٥، بتصرف يسير.
(٤) انظر: الحديث رقم ٣٥، الدرس الخامس، ورقم ٦١، الدرس الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>