للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثا: من صفات الداعية: تذكر النعم والاعتراف بالتقصير: ظهر في هذا الحديث أن تذكّر النعم والاعتراف بالتقصير من الصفات الحميدة؛ ولهذا قال البراء رضي الله عنه: " فأصابوا منا سبعين وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرا وسبعين قتيلا " ففي هذا الحديث اعتراف الصحابة - رضي الله عنهم - بالتقصير يوم أحد، وتذكرهم لنعمة الله عليهم يوم بدر، وما منَّ الله به عليهم من النصر والتأييد والإِعانة على عدوِّهم حتى قتلوا منهم سبعين رجلا، وأسروا سبعين؛ قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله: " وفي هذا الحديث. . . أنه ينبغي للمرء أن يتذكر نعمة الله ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها " (١) فينبغي للداعية أن يتذكر نعمة الله عليه ويشكره عليها، ويعترف بالتقصير عن أداء شكرها.

رابعا: من أساليب الدعوة: الجدل: لا ريب أن الجدل في اللغة مأخوذ من شدة الفتل، يقال: جدلتُ الحبل أجدله جدلًا إذا شددت فتله، وفتلته فتلا محكما (٢) وهو في الحقيقة: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله بحجة أو شبهة، ويقصد به تصحيح كلامه (٣) ويكون في مقابلة الأدلة لظهور أرجحها، وإظهار الحق، وإلزام الخصم (٤) وقد ظهر هذا الأسلوب في هذا الحديث عندما دار الجدل بين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وأبي سفيان - رضي الله عنه - في يوم أحد، ومن ذلك قول أبي سفيان: " اعل هبل " فقال عمر: " الله أعلى وأجل " فقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال عمر: الله مولانا ولا مولى لكم. إلى غير ذلك من جدل عمر - رضي الله عنه - لأبي سفيان.


(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ٧٥٣ بتصرف يسير جدا.
(٢) انظر: لسان العرب لابن منظور، باب اللام فصل الجيم، ١١/ ١٠٣.
(٣) انظر: التعريفات للجرجاني ص ١٠٦، والجدل نوعان: الجدل الممدوح: وهو كل جدل أيد الحق وأوصل إليه بنية صالحة وطريقة سليمة، أما الجدال المذموم: فهو كل جدال أيد الباطل وأوصل إليه. انظر: كتاب استخراج الجدل من القرآن الكريم، لعبد الرحمن بن نجم الحنبلي ص ٥١، ومناهج الجدل في القرآن الكريم، للدكتور زاهر بن عواض الألمعي ص ٥٠ وص ٦٢.
(٤) انظر: المصباح المنبر للفيومي ١/ ٣٦، والحوار آدابه وضوابطه في الكتاب والسنة ليحيى محمد زمزمي ص ٢٣ - ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>