للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن إذا كان من عادة الناس إكرام القادم بالقيام، ولو تُرِكَ لاعتقد أن ذلك لترك حقه، أو قصد خفضه، ولم يعلم العادة الموافقة للسنة فالأصلح أن يقام له؛ لأن ذلك أصلح لذات البين وإزالة التباغض والشحناء، وذلك من باب دفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما كما يجب فعل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما (١) ولكن ينبغي للداعية أن يقرن القيام بالمقابلة والمصافحة على حسب الاستطاعة، ويعلم الناس السنة بالحكمة والموعظة الحسنة، والله المستعان.

ثالثا: من صفات الداعية: التواضع: ظهر في هذا الحديث صفة التواضع من عدة وجوهٍ، منها: كون النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وافق على طلب من أراد تحكيم سعد بن معاذ، ولو شاء - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - لم يقبل ذلك (٢) ويدل على التواضع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " قوموا إلى سيدكم "؛ فإن العظماء لا يحبون أن يقام إلى غيرهم ولا مساعدته، وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " قضيت فيهم بحكم الله " وهذا يؤكد تواضعه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وبيانه للحق وعدم ردِّه. وكذلك ما فعله سعد بن معاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وأنه ركب على حمار، وهذا يبين تواضعه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

فينبغي للداعية أن يتصف بالتواضع لله - عز وجل (٣).

رابعا: من صفات الداعية: وضع كل شيء في موضعه: إن من صفات الداعية وضع كل شيء في موضعه بإحكام وإتقان، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وقد دل هذا الحديث على هذه الصفة العظيمة لسعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: " قضيت فيهم بحكم الملك " وذلك أنه قال رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تُسبى الذرية»، وسمعت سماحة العلامة عبد العزيز بن عبد الله ابن باز حفظه الله يقول: " وهذا من توفيق الله لسعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فحكم فيهم


(١) انظر. مجموع فتاوى ابن تيمية، ١/ ٣٧٥ - ٣٧٦، وفتح الباري لابن حجر، ١١/ ٥٤.
(٢) انظر: زاد المعاد لابن القيم، ٣/ ١٣٤.
(٣) انظر: الحديث رقم ٣٣، الدرس الحادي عشر، ورقم ٦٢، الدرس الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>