للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما تقدم يؤكد أن القيام للقادم - من أجل المقابلة بالسلام والمصافحة أو المعانقة، أو التهنئة، أو إجلاسه في مكان القائم - كل ذلك من وسائل الدعوة. وأما القيام للقادم أو القائم من المجلس بدون سلام ولا مصافحة أو معانقة أو تهنئة؛ أو لإِجلاسه في مجلس القائم فلا يجوز؛ لأن ذلك من فعل العجم لعظمائهم.

ولا ينبغي للمسلم وخاصة الداعية أن يقوم الناس لتعظيمه واحترامه؛ لأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - كان لا يحب أن يقوم له أحد من أصحابه، فكانوا لا يقومون له، إِلا للسلام والمقابلة، أو إجلاسه مكان أحدهم (١) وقد قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ أحبَّ أنْ يُمثَّل له الرجال قياما فليتبوَّأْ مقعده من النار» (٢) ولهذا قال أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن الصحابة - رضي الله عنهم: «لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لما يعلمون من كراهيته لذلك» (٣).

والخلاصة أن القيام ينقسم إلى ثلاث مراتب: قيام على رأس الرجل وهو جالس وهو فعل الجبابرة، وقيام له عند رؤيته أو عند قيامه من المجلس تعظيما له وهذا متنازع فيه، والصواب عدم جوازه، وقيام إليه عند قدومه لمقابلته بالمصافحة أو المعانقة، أو التهنئة مع المصافحة، أو إجلاسه في مجلس القائم وهذا لا بأس به، بل هو من وسائل الدعوة النافعة (٤) قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " ففرق بين القيام للشخص المنهي عنه، والقيام عليه المشبه لفعل فارس والروم، والقيام إليه عند قدومه الذي هو سنة العرب، وأحاديث الجواز تدل عليه فقط " (٥).


(١) انظر: معالم السنن للخطابي، ٨/ ٨٢ - ٨٥، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ٣/ ٥٩٢ - ٥٩٣، وفتح الباري لابن حجر، ١١/ ٥٠ - ٥٤.
(٢) أبو داود، كتاب الأدب، باب في قيام الرجل للرجل، ٤/ ٣٥٨، برقم ٥٢٢٩، والترمذي، في كتاب الأدب، باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل، ٥/ ٩٠، برقم ٢٧٥٥، وقال: " هذا حديث حسن ". ولفظه: " من سره أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوَأ مقعده من النار " وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٣/ ٩٨٢، وصحيح سنن الترمذي، ٢/ ٣٥٧.
(٣) الترمذي، كتاب الأدب، باب كراهية قيام الرجل للرجل، ٥/ ٩٠، برقم ٢٧٥٤، وقال: " هذا حديث حسن صحيح "، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، ٢/ ٣٥٦.
(٤) انظر: تهذيب الإمام ابن قيم الجوزية مع معالم السنن للخطابي ٨/ ٨٤.
(٥) المرجع السابق، ٨/ ٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>