للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذلالًا، وإهانة، وانتصارا للإِسلام؛ ولهذا قال خبيب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في دعوته على الكفار: " اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تبقِ منهم أحدا " وقد كان النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - يسلك طريق الحكمة في الدعاء للمشركين والدعاء عليهم فيعمل الأنسب والأصلح، وسار الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم على هذا المنهج (١).

تاسعا: من معجزات الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ظهور الكرامات على أيدي أتباعه: دل هذا الحديث على أن من معجزات النبي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - ظهور الكرامات (٢) على أيدي أتباعه، وقد ظهرت هذه الكرامات على أنواع كثيرة منها ما جاء على يد خبيب، حيث قالت بنت الحارث: " والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر "، وكانت تقول: " إنه لرزق من الله رزقه خبيبا " وهذه الكرامة لخبيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تدل على صدق النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وهي معجزة له، ويمكن أن الله جعلها آية للكفار وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته (٣) وقد جزم الإمام ابن تيمية - رحمه الله - أن كرامات الأولياء من معجزات النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وأوضح أن الآيات الدالة على نبوة محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وعموم رسالته نوعان:

(أ) ما صار معلوما بالخبر الصادق كمعجزات موسى وعيسى عليهما السلام.

(ب) ما هو باقٍ إلى اليوم، كالقرآن الذي هو من أعلام نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وكالعلم والإِيمان الذي في أتباعه؛ فإنه من أعلام نبوته، وكشريعته التي أتى بها؛ فإنه من أعلام نبوته، وكالآيات التي يظهرها الله وقتا بعد وقت من كرامات الصالحين من أمته، وظهور دينه بالحجة والبرهان، واليد والسنان، والعقوبات


(١) انظر: الحديث رقم ٢١، الدرس الخامس، وفتح الباري لابن حجر ٦/ ١٠٦.
(٢) الفرق بين المعجزة والكرامة: هو أن المعجزة أمر خارق للعادة مقرون بدعوى النبوة والتحدي للعباد. أما الكرامة: فهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا التحدي، ولا تكون الكرامة إلا لعبد ظاهره الصلاح، مصحوبا بصحة الاعتقاد والعمل الصالح. أما إذا ظهر الأمر الخارق على أيدي المنحرفين فهو من الأحوال الشيطانية، وإذا ظهر الأمر الخارق على يد إنسان مجهول الحال، فإن حاله يعرض على الكتاب والسنة كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: " إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء ويطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة "، انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي، ١٠/ ٢٣، وشرح العقيدة الطحاوية لعلي بن أبي العز، ص ٥١٠.
(٣) انظر: فتح الباري لابن حجر، ٧/ ٢٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>