للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأقربين وتوجيههم إلى سعادتهم الأبدية أعظم وأولى من الصدقة بالمال.

والناس في الغالب ينظرون إلى قرابة الداعية، ومدى تطبيقهم لما يدعو إليه؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " والسر في الأمر بإنذار الأقربين أولا، أن الحجة إذا قامت عليهم تعدت إلى غيرهم، وإلا فكانوا علة للأبعدين في الامتناع، وأن لا يأخذه ما يأخذ القريب من العطف والرأفة، فيحابيهم في الدعوة والتخويف، فلذلك نَصَّ له على إنذارهم (١) ولهذا كان عمر رضي الله عنه إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله فقال: " إني نهيت الناس عن كذا وكذا " وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحدا منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة " (٢).

ثانيا: التدرج في الدعوة: بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة السرية بعد أن أمره الله تعالى بإنذار قومه عاقبة ما هم فيه من الشرك، وما هم عليه من الكفر والفساد، قال تعالى؛ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: ١ - ٧] (٣) وبعد هذه الآيات بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض الإسلام على من يعرفهم ويعرفونه: يعرفهم بحب الخير والحق، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جمع عرفوا بالسابقين الأولين. ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ - إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: ٩٤ - ٩٥] (٤) وهذا أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه وجميع من أرسل إليه (٥) وأمره تعالى بإنذار عشيرته الأقربين، فبدأ صلى الله عليه وسلم دعوته الجهرية بإنذارهم. وقد بين الإمام ابن القيم رحمه الله ترتيب الدعوة للنبي صلى الله عليه وسلم وأنها على الترتيب الآتي:


(١) " فتح الباري ٨/ ٥٠٣، وانظر: هداية الباري إلى ترتيب صحيح البخاري، لعبد الرحيم الطهطاوي، ٢/ ٣٤١.
(٢) تاريخ الأمم والملوك، للطبري ٢/ ٦٨، والكامل في التاريخ، لابن الأثير ٣/ ٣١.
(٣) سورة المدثر، الآيات: ١ - ٧.
(٤) سورة الحجر، الآيتان: ٩٤ - ٩٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " ٧/ ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>