للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا رسول الله؟ فقال: «إن الرجل إذا غرم حدّث فكذب ووعد فأخلف» (١).

ولا شك أن القبور لها ظلمة إلا من نوَّر الله قبره بالإِيمان والعمل الصالح، فعن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أن امرأة سوداء كانت تَقُمّ المسجد، أو شابا، ففقدها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فسأل عنها أو عنه فقالوا: مات، قال: " أفلا آذنتموني " فكأنهم صغَّروا أمرها أو أمره فقال: " دلوني على قبره " فدلوه فصلى عليها ثم قال: " إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله - عز وجل - ينوِّرها لهم بصلاتي عليهم» (٢).

ومن أعظم الأحاديث في عذاب القبر حديث البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وفيه أن العبد المؤمن يفسح له في قبره مد بصره، وأن العبد الفاجر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه (٣).

وعن هانئ مولى عثمان قال: كان عثمان إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تُذكَرُ الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال: «إن القبر أوّلُ منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه» وقال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «ما رأيت منظرا قطُ إلا والقبر أفظع منه» (٤).

ومما يزيد المسلم يقينا أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال عن أرواح المؤمنين في البرزخ: «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم يبعثه» (٥).

وأرواح الشهداء أعظم من ذلك: فإن: «أرواحهم في


(١) متفق عليه، من حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام، ١/ ٢٢٧، برقم ٨٣٢، ومسلم، كتاب المساجد، ومواضع الصلاة، باب ما يستعاذ منه في الصلاة، ١/ ٤١٢، برقم ٥٨٨.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن، ٢/ ١١٣، برقم ١٣٣٧، ومسلم واللفظ له، كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر، ٢/ ٦٥٩، برقم ٩٥٦.
(٣) حديث البراء حديث طويل عظيم، أخرجه أحمد ٤/ ٢٨٧، ٢٨٨، ٢٩٥، ٢٩٦، والحاكم وصححه وأقره الذهبي ١/ ٣٧ - ٤٠، وغيرهما، وصححه ابن القيم في تهذيب السنن، ٤/ ٣٣٧، وقال الألباني في أحكام الجنائز ص ١٥٩ على تصحيح الحاكم وإقرار الذهبي له: " وهو كما قالا ".
(٤) الترمذي، وحسنه، في كتاب الزهد، باب. حدثنا هناد، ٤/ ٥٥٣، برقم ٢٣٠٨، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب ذكر القبر والبلى، ٢/ ٤٢٦، برقم ٤٢٦٧، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ٢/ ٢٦٧ وصحيح سنن ابن ماجه ٢/ ٤٢١.
(٥) أحمد في المسند، ٣/ ٤٥٥، والنسائي، ٤/ ١٠٨، برقم ٢٠٧٣، وغيرهما، وتقدم تخريجه في الحديث رقم ٧٣، آخر الدرس الثامن، ص ٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>