للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: من موضوعات الدعوة: الحث على الإيثار: دل هذا الحديث بمفهومه على أن من موضوعات الدعوة الحث على الإِيثار؛ ولهذا آثر جابر بن عبد الله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - على نفسه وأهله، فإن الحال عندهم كانت ضعيفة؛ لقلة ما في اليد، والظاهر أن جابر بن عبد الله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - لم يجد في بيته إلا هذه العناق وصاع الشعير، فصنع ذلك للنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - ورجلٍ أو رجلين إيثارا منه، ولو كان عنده أكثر من ذلك لزاد؛ لكثرة الناس وحاجتهم الشديدة للطعام. كما يدل على الإِيثار ما فعله رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - عندما نادى المهاجرين والأنصار جميعا فقال: " قوموا "، فقام المهاجرون والأنصار ومن معهم. وهذا يدل على إيثار النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وحبه الخير لأصحابه، ولو كان المدعو غيره من الكبراء لم يدع أحدا معه؛ ليحصل على ما يسد رمقه، ولا هم له غير ذلك، ولكن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما قال الله - عز وجل: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: ٦] (١) ولا شك أن الله - عز وجل - قد مدح أهل الإِيثار فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] (٢) وهذا العمل قد بلغ بأصحابه أعلى درجات الإِيمان الكامل؛ فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (٣).

وهذا يدل على أن من لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه فقد نقص إيمانه، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: " المراد بنفي الإِيمان نفي بلوغ حقيقته ونهايته؛ فإن الإِيمان كثيرا ما يُنفى لانتفاء بعض أركانه وواجباته " (٤) " والمقصود أن من جملة خصال الإِيمان الواجبة أن يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره


(١) سورة الأحزاب، الآية: ٦.
(٢) سورة الحشر، الآية: ٩.
(٣) متفق عليه: البخاري، ١/ ١١، برقم ١٣، ومسلم، ١/ ٦٧، برقم ٤٥، وتقدم تخريجه في الحديث رقم ٥٨، الدرس الرابع عشر، ص ٣٥٤.
(٤) جامع العلوم والحكم، ١/ ٣٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>