للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - لما قدم المدينة آخى بينهما فقال سعد لعبد الرحمن: إني أكثرُ الأنصار مالًا، سأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن بارك الله لك في أهلك ومالك [لا حاجة لي في ذلك] دلوني على السوق، فدلوه على السوق، فباع واشترى حتى تزوج، فقال له رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «بارك الله لك أولم ولو بشاة» (١) ومما يؤكد حرص السلف الصالح على الإِيثار قصة الرأس الذي عُرض على سبعة أبيات يقول صاحب كل بيت منهم: أعطه جاري وعياله؛ فهو أحق بذلك مني، حتى رُجِعَ بالرأس إلى البيت الأول (٢) ومما يدل على الإِيثار العظيم في القُرَبِ وغيرها قصة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مع عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وذلك أن عمر عند موته قال لابنه عبد الله - رضي الله عنهما: ". . . انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فَسَلَّمَ واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنَهُ به اليوم على نفسي، فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله ما كان شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قبضتُ فاحملوني ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين. (٣).

وهذا يؤكد جواز الإِيثار بالقرب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " وقول من قال من الفقهاء: لا يجوز الإِيثار بالقُرَبِ، لا يصح، وقد آثرت عائشة عمر بن


(١) متفق عليه من حديث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - بين المهاجرين والأنصار، ٤/ ٢٦٨، برقم ٣٧٨١، ومسلم، كتاب النكاح، باب الصداق وجواز كونه تعليم قرآن وخاتم حديد وغير ذلك، ٢/ ١٠٤٢، برقم ١٤٢٧، ورواه البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف، في كتاب مناقب الأنصار، باب إخاء النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - بين المهاجرين والأنصار، ٤/ ٢٦٨، برقم ٣٧٨٠.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، ١٨/ ٢٨.
(٣) البخاري، كتاب الجنائز، باب ما جاء في قبر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما، ٢/ ١٣١، برقم ١٣٩٢، ولفظه من الطرف رقم ٣٧٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>