للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعا: سوء أدب بعض المدعوين: إن من أهم الآداب اللازمة مع الدعاة والعلماء: التأدب معهم، وأخذ العلم عنهم، والالتزام بأخلاق أهل العلم وطلاّبه، وقد ظهر في هذا الحديث سوء أدب هذا الرجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائد العلماء وإمام الأتقياء، فدل ذلك على أن بعض المدعوين يتصف بالجفاء وسوء الأدب والخلق، فيلزم المدعوين أن يسلكوا منهج الحق واحترام العلماء والاستفادة منهم، والله المستعان.

خامسا: من القواعد الدعوية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح: ظهر من مفهوم هذا الحديث أن من القواعد الدعوية قاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، دل على ذلك أن هذا الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "اعدل" قد استحق القتل، ولكن عفا النبي صلى الله عليه وسلم عنه درءا للمفاسد، ومما يؤكد ذلك رواية الحديث عند الإمام مسلم رحمه الله، فقد زاد في آخره: "فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق؛ " فقال صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي» (١) فقتل هذا المنافق مصلحة، ولكن يعارض هذه المصلحة مفسدة وهي أن الناس سيقولون إن محمدا يقتل أصحابه، فحينئذ تترك المصلحة لتفويت المفسدة، قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:

"الدين مبنيّ على المصالح ... في جلبها والدرء للقبائح

فإن تزاحم عدد المصالح ... يقدم الأعلى من المصالح

وضده تزاحم المفاسد ... يرتكب الأدنى من المفاسد (٢)

ومن درء المفاسد أيضا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن أبي ابن سلول، فقد عمل أعمالا كثيرة توجب قتله فقال عمر رضي الله عنه؛ «يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل


(١) مسلم برقم ١٠٦٣، وتقدم تخريجه مع أصل الحديث، ص ٩٢٩.
(٢) رسالة في القواعد الفقهية، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، ص ١٥ - ٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>