للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدنيوية، وقد ثبت في هذا الحديث ما يدل على تطييب قلوب المدعوين، وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل معاذ ابن عفراء، ومعاذ بن عمرو بن الجموح عن قتل أبي جهل، فقال: "أيكما قتله؟ "، قال كل واحد منهما: أنا قتلته، فقال: "هل مسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا، فنظر في السيفين، فقال: "كلاكما قتله" سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح. وقد اشترك هذان الشابان في جراحة أبي جهل، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح أثخنه أولا فاستحق السلب، وإنما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كلاكما قتله، تطييبا لقلب الآخر، من حيث إنَّ له مشاركة في قتله، وإلا فالقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب، وهو الإِثخان وإخراجه عن كونه ممتنعا إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح، فلهذا قضى له بالسلب، وإنما أخذ السيفين؛ ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما، فعلم أن ابن الجموح أثخنه، ثم شاركه الثاني بعد ذلك وبعد استحقاقه السلب، فلم يكن له حق في السلب (١) وقد قيل: إن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حز رأسه، وقتله، وقيل: قتله معوّذ، قال ابن حجر رحمه الله: "فيحتمل أن يكون معاذ ابن عفراء شد عليه مع معاذ بن عمرو، وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته، ثم حز رأسه ابن مسعود، فتجتمع الأقوال كلها" (٢) والمقصود هنا هو تطييب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقلب معاذ ابن عفراء رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (٣).

ثامنا: أهمية الأخذ بالقرائن في إثبات الحقوق عند عدم البينة: لا شك أن الأخذ بالقرائن في إثبات الحقوق عند عدم البينة من الأمور المهمة، فقد ثبت الحكم بذلك في هذا الحديث حينما حكم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين معاذ ابن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح فيمن قتل أبا جهل فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هل مسحتما سيفيكما؟ " قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: "كلاكما قتله، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح "، فقد ظهر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي أثخنه أولا؛ وهذا فيه إثبات الحقوق المالية بالقرائن؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استدل بالدم الذي في السيف على


(١) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، ١٢/ ٣٠٧، وشرح الكرماني على صحيح البخاري، ١٣/ ١١٣.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ٧/ ٢٩٦، وانظر: شرح الكرماني على صحيح البخاري ١٣/ ١١٣.
(٣) انظر: الحديث رقم ٢٢، الدرس الثالث.

<<  <  ج: ص:  >  >>