للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أريد بها وجه الله "، فلم يعاقبه على ذلك، فدل ذلك على كمال حلمه صلى الله عليه وسلم، فينبغي للداعية أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في حلمه، وعفوه وصفحه، وفي جميع أحواله التي لا تختص به صلى الله عليه وسلم (١).

ثامنا: من أساليب الدعوة: الدعاء للقدوات الحسنة: إن من أساليب الدعوة النافعة الدعاء للقدوات الحسنة: من الأنبياء، والعلماء، والدعاة؛ لما في ذلك من لفت قلوب المدعوين إلى أعمالهم الطيبة، فيحبونهم ويقتدون بهم، وقد دل الحديث على هذا الأسلوب بقوله صلى الله عليه وسلم: "رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"؛ فإن هذا يشد قلوب المدعوين إلى الاقتداء بمن دعي له، فينبغي للداعية أن يدعو للعلماء عند ذكرهم ويترحم عليهم، ويثني عليهم بأعمالهم الطيبة بحضرة المدعوين؛ لما في ذلك من ترغيب في أعمالهم؛ ولحقهم على من استفاد من علمهم، والله عز وجل أعلم (٢).

تاسعا: من صفات الداعية: مراعاة أحوال المدعوين: ظهر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يراعي أحوال المدعوين؛ ولهذا أعطى أناسا من أشراف قريش وترك آخرين (٣) قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه» (٤) وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «أمرنا أن ننزل الناس منازلهم» (٥) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة» (٦).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله» (٧)


(١) انظر: الحديث رقم ٣٥، الدرس الثاني، ورقم ٨٩، الدرس الخامس.
(٢) انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، لابن حجر، ١١/ ١٣٥، ١٣٧، وعمدة القاري للعيني، ٢٢/ ١٣٢.
(٣) انظر: فتح الباري، لابن حجر، ٨/ ٥٣، وعمدة القاري للعيني، ١٥/ ٦٩.
(٤) متفق عليه: البخاري، ١/ ١٤، برقم ٢٧، ومسلم، ١/ ١٣٢، برقم ١٥٠، وتقدم تخريجه في الحديث رقم ٧، الدرس التاسع، ص ٨٥.
(٥) مسلم في المقدمة، ١/ ٦، وسنن أبي داود، كتاب الأدب، باب إنزال الناس منازلهم، ٤/ ٢٦١، برقم ٤٨٤٢.
(٦) مسلم في المقدمة، باب النهي عن الحديث بكل ما سمع، ١/ ١١.
(٧) البخاري، كتاب العلم، باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، قي ترجمة الباب، ١/ ٤٦، قبل حديث رقم ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>