(د) والسؤال الآن هو: ما دام الكتاب مقسَّماً إلى أبواب بحسب المعاني، وما دامت كل كلمة وردت في هذا الكتاب تحوي أكثر من معنى مما قد يجوَّز وضعها في أكثر من باب، فَتَحْتَ أي باب كان يضع كراع الكلمهَ؟ وبعبارة أخرى: هل كان لدى كُراع أي وسيلة للتمييز بين المعنى الأولى الذي يطابقُ عنوانَ البابِ وسائرٍ المعاني؟
ولتوضيح هذا السؤال دعنا نأخذ كلمة "الهلال" التى تعني "هلال السماء" و"الغبار" و"الحية" وغيرها. فبالنظر إلى المعنى الأول يجب وضع الكلمه في الباب الخامس، إلى المعنى الثاني في الباب الساس، وإلى المعنى الثالث في الباب الثاني. ولكن كُراعاً نظر إلى المعنى الأول فوضع الكلمة في الباب الخامس. هل هناك من سبب لذلك؟
يبدو أن كُراعاً بنى تمييزه بين المعانى على أساس أنّ ما يرد منها على الذهن أوَّلاً يجب أن ينظر إليه باعتباره المعنى الأساسي أو الرئيسي، وما سوى ذلك يعدُّ معانيَ ثانوية أو فرعية. ومن أجل هذا وضع كُراعٌ كلمةَ "السيف" في الباب الرابع، مع أن معناها كشعر ذنب الفرس يرشَّحُ وضْعَها في باب آخر. وكذلك فعل مع كلمهَ "وتر" التى تعني "وتر القوس" و"من الفرس: ما بين الأرْنَبة وأعلى الجَحْفَلة" و"من اليَدِ: ما بين الأصابع" و"من اللسان: العَصَبة تحته".
(هـ) ومما تجدر الإشارة إليه كذلك أنَّ كُراعًا كان حريصًا كلَّ الحرص على أن يوضحَ معنى الكلمة غايةَ الإيضاح بوضعها في عبارات مفيدة، كقوله: يُقال: هم يَدٌ على مَن سِواهم: إذا كان أمرهم واحِداً، وأعطيته مالاً عن ظهْرِ يَدٍ: يعني تفضُّلاً، ليس من بيع ولا قرض ولا مكافأة،