[لا طريق إلى الله إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم]
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ومن الإيمان به: الإيمان بأنه الواسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ أمره ونهيه، ووعده ووعيده، وحلاله وحرامه، فالحلال: ما أحله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرام: ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والدين: ما شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن اعتقد أن لأحد من الأولياء طريق إلى الله من غير متابعة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر من أولياء الشيطان].
فالرسول صلى الله عليه وسلم بعث مبلغاً عن الله جميع ما أمر الله عز وجل به لجميع الإنس والجن، فليس لأحد أن يخرج عن تحليل وتحريم هذه الشريعة التي جاء بها؛ لأن كثيراً من أهل الزندقة والنفاق -ممن يعتقدون أن هناك طائفة لهم أن يرتكبوا المنكرات والمحرمات وأن يتركوا الواجبات- يزعم أن لهم طريقاً آخر مع الله عز وجل، ويزعم أن هذا الأمر هو للعامة أي: التحليل والتحريم، وأما الخاصة فلا يلزمهم ذلك، وأن هذه العبادات والتحليلات والتحريمات إنما هي لمن لم يصل بعد، وأما من وصل فلا تلزمه والعياذ بالله، فهذا كله من الكفر الناقل عن الملة، وهؤلاء غالباً يحتجون بقصة موسى والخضر؛ فإن الخضر لم يكن ملزماً باتباع شريعة موسى صلى الله عليه وسلم، وأعلمه الله بأشياء من علوم الغيب، وأن الخضر شرفه الله بوحي مباشر له، أو شريعة بلغها له نبي من الأنبياء في زمنه، فقتل الغلام، وإصلاح الجدار بلا مقابل، وخرق السفينة، لا يمكن أن يبنى عليه مع وجود شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أي حال من الأحوال، بمعنى: أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أنه قد علم ما أخفاه الله عز وجل عن غيره من العباد، وبناء على ذلك يجوز له أن يرتكب المحرمات الظاهرة بزعم أنها في الباطن ليست حراماً، أو أن هناك أسباباً تجعل هذه المحرمات له حلال، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بين الله وبين خلقه.
فهذه الفرق القائلة بذلك هي فرق خارجة من الملة؛ لأنهم يقرون أن الله حرم هذا الشيء، وأوجب هذه العبادة، ثم يفترون على الله الكذب، وأنه جعلهم خارجين عن هذا التكليف، ولذا فمن أركان الإيمان: الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو من يبلغ الأوامر والنواهي لنا عن الله، ويبلغنا الأخبار والوعد والوعيد، فلو أن إنساناً رأى نفسه خارجاً عن هذا كان كافراً بالرسول صلى الله عليه وسلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[وأما خلق الله تعالى للخلق ورزقه إياهم وإجابته لدعائهم وهدايته لقلوبهم ونصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار فهذا لله وحده يفعله بما يشاء من الأسباب، لا يدخل في مثل هذا واسطة الرسل].
فبعضهم يقولون: إن من الإيمان به الإيمان بأنه الواسطة، أي: أنه ينفع الناس ويضرهم على سبيل الشفاعة، وأنه يدعى من دون الله ويستنصر به على الأعداء، ويطلب منه الإغاثة والمدد، وهذا الكلام شرك بالله، فإن الله هو الذي خلق الخلق وهو الذي يرزقهم ويجيب دعائهم، ويهدي قلوبهم وينصرهم على أعدائهم، وغير ذلك من جلب المنافع ودفع المضار لله وحده لا شريك له، وليس معنى وساطة الرسل الدخول في هذا، بل وساطة الرسل إنما هي في إبلاغ التحليل والتحريم، وفي تبليغ الوعد والوعيد، والأوامر والأخبار، فالأخبار فيما يتعلق بأمور الاعتقاد كأمور الغيب، والأوامر والنواهي في التحليل والتحريم.