للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع]

بعد أن ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض أحوال الشياطين التي يخدعون بها أولياءهم ممن يعبدون غير الله عز وجل، وكذلك من أهل البدع وأهل الشرك المتشبهين بعباد الطواغيت، قال: [ولما كان الانقطاع إلى المغارات والبوادي من البدع التي لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم صارت الشياطين كثيراً ما تأوي إلى المغارات والجبال، مثل: مغارة الدم التي بجبل قاسيون، وجبل لبنان الذي بساحل الشام، وجبل الفتح بأسوان بمصر، وجبال بالروم وخراسان، وجبال بالجزيرة وغير ذلك، وجبل اللكام، وجبل الأحيش، وجبل سولان قرب أردبيل، وجبل شهنك عند تبريز، وجبل ماشكو عند أتشوان، وجبل نهاوند، وغير ذلك من الجبال التي يظن بعض الناس أن بها رجالاً من الصالحين من الإنس ويسمونهم رجال الغيب، وإنما هناك رجال من الجن، فالجن رجال كما أن الإنس رجال، قال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦]].

فذكر أن الانقطاع في المغارات والبوادي من البدع، وهذا أمر عظيم الأهمية، فليس يشرع للإنسان أن ينقطع في مغارة أو في غار أو في صحراء، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوى إلى غار حراء فلأن ذلك كان قبل نزول الوحي عليه، وأما بعد نزوله فكان لا يعتكف إلا في المساجد صلى الله عليه وآله وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يعتكف في مسجده، فصار الاعتكاف في المغارات بعد بناء المساجد وتيسرها بدعة.

يقول المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن هؤلاء من يظهر بصورة رجل شعراني، جلده يشبه جلد الماعز -يعني: كثير الشعر- فيظن من لا يعرفه أنه إنسي، وإنما هو جني، ويقال بكل جبل من هذه الجبال الأربعون الأبدال، وهؤلاء الذين يظن أنهم الأبدال هم جن بهذه الجبال كما يعرف ذلك بطرق متعددة].

ولفظة الأبدال ثبتت عن التابعين، وأن بعضهم كان يعد من الأبدال، وهذه الكلمة صحيحة بمعنى: أن الله عز وجل جعل في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم طائفة على الحق ظاهرة، لا يضرها من خالفها أو خذلها حتى تقوم الساعة، وبهذا لو مات بعضهم فإن الله عز وجل يأتي بغيرهم بدلاً منهم، فتظل الطائفة موجودة، فمن يظن أنه من الأبدال أو يرجى له ذلك بمعنى أنه من الطائفة الظاهرة الذين هم على الحق وعلى طريق الكتاب والسنة، وعلى سبيل منهج أهل السنة والجماعة.

وقد ذكر من الأبدال أربعون، وهذا العدد غير معلوم، ولا يعرف أن في الأرض أربعون من الأبدال، بل الذي يظهر أن الأبدال هم أهل هذه الطائفة المنصورة الذين يأخذون بما قام به من سبقهم من نشر الحق والقيام به في الأرض، فإذا مات بعضهم أبدل الله عز وجل غيرهم مثلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>