[شروط لا إله إلا الله لم يحددها الشارع وإنما هي من باب التعليم للناس]
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد هذه الشروط ولم يجعلها سبعة، ولم يثبت في الكتاب والسنة زيارتها على سبعة، فمن الممكن أن تجعلها شرطاً واحداً ثمّ تفرع منها باقي الشروط، فالناس يعرفون أن مقتضاها على الإجمال، ولكن لا يعرفونها حقيقة على التفصيل، وأبو طالب يعرف أن كلمة لا إله إلا الله معناها: ألا يعبد إلا الله ولا إله غيره، إذاً: فما كانت آلهة من دونه فيلزم ألا تسمى آلهة، والناس في هذا الزمان يعرفون ذلك، لكن قد لا يعرفون أنهم عندما يتحاكمون مثلاً إلى قانون يخالف الشريعة أن هذا ألوهية، وقد لا يعرفون أنهم عندما يذهبون إلى قبر ولي ويقولون له: أغثنا يا فلان! أو يشكون له شكوى، أو ينذرون له نذراً أن هذا ألوهية، فلو كان هؤلاء يؤاخذون على ذلك من باب الإيمان مفصلاً فإنهم مناقضون للا إله إلا الله في التفصيل الذي فصلوه، ولكنهم إجمالاً يقولون: إنه لا إله إلا الله، ولو قلت لأحدهم: أنت تعبد غير الله، فسيقول لك: أعوذ بالله، أعبد غير الله؟!! ولذلك أقول تصريحاً للذي يقول: إن هناك آلهة غير الله تصح عبادتها من دونه: إنه خارج من الملة ابتداء؛ لأنها مسألة لا يتصور الجهل بها؛ فهو يعلم أنه لا إله إلا الله.
لكن من الممكن أن يكون لا يعرف أن هذه عبادة وأنها بهذا الشكل تكون عبودية، إذاً: فيحتاج أن يعرف التفصيل، وهذه هي النقطة الأساسية التي عملت خللاً كبيراً جداً لدى المتأخرين، فقد فهموا كلام بعض أهل العلم غلطاً، وبالتالي عمموا الحكم على الناس أنهم في هذا الزمان لا يفهمون لا إله إلا الله، وإذا كانوا لا يفهمون لا إله إلا الله فكأنهم لا يقولونها، وكل الفرق الضالة أتيت من هذا الجانب، من جانب قضية الإجمال والتفصيل، ويقولون: إن أبا طالب وأبا جهل يعرفان كلمة لا إله إلا الله، وكانا يقولان: اللات والعزى آلهة، قال تعالى: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، ولم يقولا: إنها إله وسنصرف إليها أنواعاً من العبادات، وكذلك الموجودون في هذا الزمان فهم لا يعرفون أن ما يعملونه عبادة، ولو كانوا يسمونه عبادة لانتهى الموضوع، أي: لو قال: أنا أعبد البدوي أو أعبد الحكام مثلاً لانتهى الموضوع، وخرج من الملة ونقض لا إله إلا الله، ولا يوجد مسلم يجهل هذه القضية، ولا يوجد مسلم يقول: إني لا أعرف أن الرسل جاءت بألا يعبد إلا الله، فلو كان لا يعرف ذلك فهو جاهل، إذاً: نبين له دعوة الرسل؛ وأن كلمة لا إله إلا الله معناها: أنه لا يوجد شيء يعبد غير الله، فلو قال: نعم، أنا مقر بألا يعبد غير الله، ثم يأتي يناقشنا في هذا العمل الذي عمله عند القبر أو في المحكمة، أو في حب الكفرة أو في الاحتفال بأعيادهم، وهل كل هذه موالاة وعبادة أم ليست موالاة؟ إذاً: فهو كافر خرج من الملة، فإذاً: لابد من التفريق بين قضية الإجمال والتفصيل، فالذي يثبت به أصل الدين: هو الإجمال، كما قال شيخ الإسلام: أصل الإيمان والتقوى الإيمان برسل الله، وجماع ذلك الإيمان بخاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك لو أن شخصاً شهد أن محمداً رسول الله ودخل في الإسلام وأخبرناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بلا إله إلا الله، ثم فهم ذلك وقال: أنا ليست على لا إله إلا الله فسيكون خارجاً مرتداً، وهذا افتراض نظري محض؛ إذ كيف يكون عرف أن محمداً رسول الله من غير أن يعرف لا إله إلا الله؟ إنَّ هذا الذي يعبد غير الله إما أن يصرح ويقول: أنا أعبد غير الله، وإما أن يقول: هناك آلهة غير الله، فهذا فيه تناقض صريح، وإما أن يعمل عملاً هو عبادة، ثم يقول: هذه ليست عبادة، فعلينا أن نقيم عليه الحجة على أن هذا العمل عبادة، فإن أصر بعدما أعطيناه الحجة فهو مصر على أن يعبد غير الله، فهو خارج عن الملة؛ لأن الحجة أقيمت عليه، فالتفصيل في ذلك: أنه قال: أنا أصدق بشهادة أنْ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قالوا له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إنّ هناك ملكاً اسمه جبريل جاءه بكتاب، فقال: فأخذوا يبينون له الأدلة من القرآن فقالوا: قال تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:١٠٢] ثم قال: لا، حتى لو ظل يقول: محمداً رسول الله، ومصدق أنه رسول الله، ولكنه غير مصدق بأن جبريل جاء بالقرآن، فهو كافر، وإذا قال: إن القرآن حق، هذا إجمال، ثم يأتي إلى التفصيل فيقول: ولكن في المواريث: يجب أن يكون الذكر مثل الأنثى، ولابد أن تأخذ الأنثى مثل الذكر، لأن هذا ظلم وتخلف ورجعية، نقول له: ولكن الله يقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١]، فقال: لا أعترف بذلك، وأصر على ما هو عليه، فهو كافر، مع أنه يقول: محمد رسول الله، ومع أنه يقول: لا إله إلا الله والقرآن حق، ولكن بالتفصيل أقيمت عليه الحجة، وكذلك الذي يقول: إن أحكام القطع والرجم أعمال وحشية، نقول له: هذه موجودة في القرآن قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:٣٨]، يقول لك: أنا أعرف، لكن هذا كان في العصور الوسطى، فهذا تخلف ورجعية، فهو بذلك خارج من الملة مرتد، مع أنه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لكن التفصيل بلغ به ما بلغ، فنقول: لو أقر بهذا التفصيل يكون مسلماً وإذا لم يقر به يكون كافراً؛ لأنه عرف أن القرآن جاء بها، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بها، فلو عرف أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالسواك، ثم قال: إني أستحبث السواك والعياذ بالله فلا بد أن تقام الحجة عليه، ونوضح له الحديث، واللحية كذلك، فمعظم الناس في هذه الأيام لا يعرفون حكم اللحية، فلا نستطيع أن نقيم الحجة عليهم؛ لأن هذا الأمر لم ينتشر ولم يعلم، وقد يشكون في أن الأحاديث التي وردت بتحريم حلق اللحية أحاديث ضعيفة، فلو تواتر لديهم ذلك، فهم مخطئون عندما يقولون: أحاديث ضعيفة في البخاري ومسلم وليست ضعيفة، وليس فيها نقاش مثلاً، ومع ذلك لا نستطيع أن تحكم عليه أنه يكذب القرآن أو يكذب حديثاً؛ لأن الحديث غير متواتر، لكن لو كذب بالصلاة في رمضان وبالحج إلى الكعبة، وبالأحاديث المتواترة في ذلك، فهذا قطعاً غير متأكد بأن هناك فريضة حج، ومن قال بتوزيع الحج على شهور السنة مع إقامة الحجة عليه، فهذا خروج من الملة، فالذين يقولون: لا بد أن يحج الناس في صفر من أجل الزحمة، فهذا في الحقيقة خروج من الملة فعلاً؛ لأن هذا معلوم من الدين بالضرورة، والملايين من المسلمين يعرفون أن الناس يحجون في ذي الحجة، فإذا قيل: إنَّ الحج في غير ذي الحجة وفي غير عرفة، فهو تكذيب للقرآن؛ لأنه أمر متواتر.
ومن يقول: إن الحج هذا عبادات وثنية، وبقايا الجاهلية التي كانت موجودة من قبل، وإن الناس تطوف بأحجار، وتضرب أحجاراً في أحجار وغير ذلك، فإن هذه تصرفات لا يقبلها العقل، مع أن المسلمين بالملايين يعرفون أن الحجر الأسود يقبل، وأن الجمرة ترجم مثلاً، فإن هذه العبادات في الحج متواترة يعرفها الملايين جيلاً بعد جيل، إذاً: فهذا نفس القرآن تماماً، وبالتالي فالإنسان الذي يكذب مثل هذا خارج من الملة.
وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:٥١]، فهذا محتاج إلى بيان أن هذا الشيء أو ذاك يدخل في ضمن معنى الموالاة؛ لأجل أن يتبين الشخص أن هذا من الموالاة، فلا يقعد يتمدح فيمن يدعي حب الصليب؛ فإن الله عز وجل يقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ} [النساء:١٥٧].
إذاً: نحتاج إلى تفصيل لإقامة الحجة على من يوالي الكفار.
وأما التهنئة فإنها محتملة، لأن التهنئة قد تكون متضمنة للإقرار، وهو لم يصرح بالإقرار بذلك، فإنه عندما يقول لك: هذا عيدهم هم، وأنا أقول لهم مثل آلاف المسلمين؛ لأجل أنهم يهنونا في عيدنا، فهو من باب المجاملة، فلهذا لا نقدر أن نجزم بأن تفصيل العلم في ذلك بلغ كل المسلمين.
والمعلوم من الدين بالضرورة: هو الذي اشترك في معرفته الجاهل والعالم، وأنا أجزم بأن المسلمين يعتقدون أن النصراني كافر، والذي يقول: إنه ليس بكافر، يكون مكذباً للقرآن.
والمعلوم من الدين بالضرورة يتفاوت من زمن لآخر، ومن مكان لآخر، ومن شخص لآخر إذا كان هناك قرينة؛ لأن كلمة (الضرورة) معناها: انتشر علمه، يعني: انتشر علمه وسط المسلمين، فعرفه الخاص والعام، فشرط كلمة: بالضرورة: أن يكون قد انتشر حتى علمه العالم والجاهل.
ونحن نعلم أن الإسلام دين يقول: لا نعبد إلا الله، فهذا العلم جزماً منتشر، فمن صرح بأنه يعبد غير الله فهذا يستثنى من المعلوم من الدين بالضرورة، وما كان الجهل بها يصير المسألة غير معلومة، فتعريف المعلوم من الدين بالضرورة: هو ما انتشر علمه، فلو أنّ مسألة لم تنتشر فإنها لا تكون معلومة من الدين بالضرورة، إذاً: لا بد أن أتوقف فيها.
فمن فهم حكم الله في مسألة بعد أن فصلت له فقد قامت عليه الحجة، وقامت عليه الحجة بالتفصيل هذا، إذاً: فقد لزمه الأمر، ولو ردها لأصبح كافراً.
ولو كان يعتقد صحة عقيدة النصارى في الصليب فإنه لا يعذر؛ لأن قوله تعالى: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:١٥٧]، لا تحتمل؛ لأن المعلوم من الدين بالضرورة لا يحتاج إلى تفكير.
وفي التهنئة لو كانت الألفاظ التي هنأهم بها متضمنة الإقرار بهذه العقيدة، فإن هذا الكلام يصبح كفراً مخرجاً من الملة.
والتهنئة من لوازمها: الإقرار، لكن ليس كل لازم بلازم، يعني: من الممكن أن نلزمك حينما تهنئه بأنك تصحح عقيدتهم، ولكنه يقول لك: لا يلزم الكلام هذا؛ فإن الكلام الذي قلته قد حصل عند عشرات وآلاف المسلمين؛ فإنه يعرف فساد عقيدتهم، وهو لم يلتزم اللازم هذا، وليس عنده أن التهنئة يلزم منها الإقرار بهذه العقيدة الفاسدة، ولو التزمها لخرج من الملة، لكنه يقول: إنها مجرد مجاملة.