قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأي أحد ادعى أو ادعى له أصحابه أنه ولي لله، وأنه مخاطب يجب على أتباعه أن يقبلوا منه كل ما يقوله ولا يعارضوه، ويسلموا له حاله من غير اعتبار بالكتاب والسنة فهو وهم مخطئون، ولو كان من أفضل الناس، فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفضل منه، وهو أمير المؤمنين، وكان المسلمون ينازعونه فيما يقوله، وهو وهم على الكتاب والسنة، وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من الفروق بين الأنبياء وغيرهم؛ فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يجب الإيمان بجميع ما يخبرون به عن الله عز وجل، وتجب طاعتهم فيما يأمرون به، بخلاف الأولياء؛ فإنه لا تجب طاعتهم في كل ما يأمرون به، ولا الإيمان بجميع ما يخبرون به، بل يعرض أمرهم وخبرهم على الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة وجب قبوله، وما خالف الكتاب والسنة كان مردوداً، وإن كان صاحبه من أولياء الله وكان مجتهداً معذوراً فيما قاله له أجر على اجتهاده، لكنه إذا خالف الكتاب والسنة كان مخطئاً وكان من الخطأ المغفور إذا كان صاحبه قد اتقى الله ما استطاع، فإن الله تعالى يقول:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، وهذا تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:١٠٢].
قال ابن مسعود وغيره:(حق تقاته) أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر.
أي: بحسب استطاعتكم؛ فإن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها كما قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:٢٨٦].
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[الأعراف:٤٢].
وقال تعالى:{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[الأنعام:١٥٢]]، فـ ابن مسعود يرد على من يقول أن {حَقَّ تُقَاتِهِ}[آل عمران:١٠٢] منسوخة بقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن:١٦]، بل يقول: هي مفسرة بها وليست منسوخة، وإن حق التقوى هي ما استطاعه الإنسان.