التصرفات الخارقة ليست دليلاً على الولاية
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين، وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين، فلا يجوز أن يظن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله، بل يعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة، ويعرفون بنور الإيمان والقرآن، وبحفاوة الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة.
مثال ذلك: أن هذه الأمور المذكورة وأمثالها قد توجد في أشخاص ويكون أحدهم لا يتوضأ ولا يصلي الصلوات المكتوبة، بل يكون مجالساً للنجاسات، معاشراً للكلاب، يأوي إلى الحمامات والقمامين والمقابر والمزابل، رائحته خبيثة لا يتطهر الطهارة الشرعية ولا يتنظف.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه جنب ولا كلب)، وقال عن هذه الأخلية: (إن هذه الحشوش) -أي: أماكن قضاء الحاجة-، (إن هذه الحشوش محتضرة) -أي: يحضرها الشيطان-، وقال: (من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم).
وقال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)، وقال: (إن الله نظيف يحب النظافة) -وهذا حديث حسن-وقال: (خمس من الفواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والفأرة والغراب والحدأة والكلب العقور)، وفي رواية: (الحية والعقرب).
وأمر صلوات الله وسلامه عليه بقتل الكلاب]، وهذا منسوخ، فقد نسخه بعد ذلك، ونهى عن قتل الكلاب إلا الأسود قال المصنف رحمه الله: [وقال: (من اقتنى كلباً لا يغني عنه زرعاً ولا ضرعاً) أي: حماية الماشية، (نقص من عمله كل يوم قيراط) وقال: (لا تصحب الملائكة رفقة معهم كلب)، وقال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب).
وقال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:١٥٦ - ١٥٧].
فإذا كان الشخص مباشراً للنجاسات والخبائث التي يحبها الشيطان، أو يأوي إلى الحمامات والحشوش التي تحضرها الشياطين، أو يأكل الحيات والعقارب والزنابير وآذان الكلاب التي هي خبائث وفواسق، أو يشرب البول ونحوه من النجاسات التي يحبها الشيطان، أو يدعو غير الله فيستغيث بالمخلوقات ويتوجه إليها، أو يسجد إلى ناحية شيخه ولا يخلص الدين لرب العالمين، أو يلابس الكلاب أو النيران أو يأوي إلى المزابل والمواضع النجسة، أو يأوي إلى المقابر ولاسيما إلى مقابر الكفار من اليهود والنصارى أو المشركين، أو يكره سماع القرآن وينفر عنه ويقدم عليه سماع الأغاني والأشعار، ويؤثر سماع مزامير الشيطان على سماع كلام الرحمن؛ فهذه علامات أولياء الشيطان لا علامات أولياء الرحمن.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله.
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل.
وقال ابن مسعود: الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل.
وإن كان الرجل خبيراً بحقائق الإيمان الباطنة فارقاً بين الأحوال الرحمانية والأحوال الشيطانية فيكون قد قذف الله بقلبه من نوره كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:٢٨]] يعني: تحقيق الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى حصول الفرقان والنور.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:٥٢]، فهذا من المؤمنين] الذي هو الفارق بين الأحوال الرحمانية والشيطانية.
قال المصنف رحمه الله: [الذي جاء فيهم الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله) قال الترمذي: حديث حسن، وقد تقدم الحديث الصحيح الذي في البخاري وغيره قال فيه: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته، ولابد له منه).
فإذا كان العبد من هؤلاء: فرق بين حال أولياء الرحمن وأولياء الشيطان كما يفرق الصيرفي -صاحب الصرافة- بين الدرهم الجيد والدرهم الزيف، وكما يفرق من يعرف الخيل بين الفرس الجيد والفرس الرديء، وكما يفرق من يعرف الفروسية بين الشجاع والجبان، وكما أنه يجب الفرق بين النبي الصادق والمتنبئ الكاذب فيفرق بين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين وموسى والمسيح بن مريم وبين مسيلمة الكذاب والأسود العنسي وطليحة الأسدي والحارث الدمشقي وباباه الرومي وغيرهم من الكذابين، كذلك يفرق بين أولياء الله المتقين وأولياء الشيطان الضالين].