[الفرق بين ما يطلق عليه لفظ الشرع ووجوب التزام الشرع المنزل]
قال المؤلف رحمه الله تعالى:(كما أن لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرق بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة الذى بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر، وبين الشرع الذى هو حكم الحاكم، فالحاكم تارة يصيب، وتارة يخطىء).
يقصد بذلك الأحكام التطبيقية، أي: أن الحاكم قد يكون مصيباً وقد يكون مخطئاً، فإن أخطأ فليس حكمه هو الشرع، وإن أصاب فحكمه قد وافق الشرع.
ثم نقول:(هذا إذا كان عالماً عادلاً).
أي: أن الحاكم العالم العادل ممكن يصيب ويخطئ، فضلاً عن أن يكون جاهلاً.
ثم يقول:(وإلا ففى السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (القضاة ثلاثة: قاضيان فى النار، وقاض فى الجنة: رجل علم الحق وقضى به، فهو فى الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو فى النار، ورجل علم الحق فقضى بغيره فهو فى النار).
وأفضل القضاة العالمين العادلين سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت فى الصحيحين أنه قال:(إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بنحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار).
فقد أخبر سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أنه إذا قضى بشىء مما سمعه وكان فى الباطن بخلاف ذلك لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضى به له، وأنه إنما يقطع له به قطعة من النار.
وهذا متفق عليه بين العلماء فى الأملاك المطلقة، إذا حكم الحاكم بما ظنه حجة شرعية كالبينة والإقرار، وكان في الباطن بخلاف الظاهر لم يجز للمقضي له أن يأخذ ما قضى به له بالاتفاق، وإن حكم فى العقود والفسوخ بمثل ذلك فأكثر العلماء يقول: إن الأمر كذلك، وهو مذهب مالك والشافعى وأحمد بن حنبل، وفرق أبو حنيفة رضى الله عنه بين النوعين).
أي: في العقود لو أن رجلاً كان يؤذي زوجته ويسبها وحكم القاضي بالطلاق الإجباري، فالجمهور يقولون: الإكراه هذا غير معتبر ولا تطلق، وأبو حنيفة يقول: لا، هكذا طلقت.