قال المؤلف رحمه الله تعالى:(فصل: ومن الناس من يؤمن بالرسل إيماناً عاماً مجملاً، وأما الإيمان المفصل فيكون قد بلغه كثير مما جاءت به الرسل ولم يبلغه بعض ذلك، فيؤمن بما بلغه عن الرسل، وما لم يبلغه لم يعرفه، ولو بلغه لآمن به، ولكن آمن بما جاءت به الرسل إيماناً مجملاً).
يعني: عنده إيمان مجمل يقول: كمل ما جاء به الرسول فأنا أصدق، لكنه لا يعرف كل الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، بل يعرف بعضاً ويجهل بعضاً.
قوله:(فهذا إذا عمل بما علم أن الله أمره به مع إيمانه وتقواه، فهو من أولياء الله تعالى، له من ولاية الله بحسب إيمانه وتقواه، وما لم تقم عليه الحجة، فإن الله تعالى لم يكلفه معرفته والإيمان المفصل به، فلا يعذبه على تركه، لكن يفوته من كمال ولاية الله بحسب ما فاته من ذلك، فمن علم بما جاء به الرسول وآمن به إيماناً مفصلاً وعمل به، فهو أكمل إيماناً وولاية لله ممن لم يعلم ذلك مفصلاً ولم يعمل به، وكلاهما ولي الله تعالى).
الشرط في ذلك: أن يكون غير مقصر في طلب العلم، ولو قصر في طلب العلم يكون آثماً، لكن عنده الإيمان المجمل، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق فيما يخبر، ويجب الاتباع فيما أمر به، وهذا هو أصل الإيمان، وكونه يعرف التفصيل بعد ذلك يزداد به إيماناً، وهذه القضية قصرت عنها عقول وقلوب المبتدعة من الخوارج والمعتزلة وجماعة التكفير والتوقف ونحوها؛ ممن رأى وجوب تفاصيل معينة وإقامة الأدلة، والأدلة قامت عنده على وجوب هذه التفاصيل، وهذا حق، أن هذه التفاصيل واجبة، تفاصيل الإيمان بالله وتوحيده وأنواع التوحيد والملائكة والكتب والرسل واليوم الآخر والقدر خيره وشره، لكنه جهل أن الإيمان المجمل يحصل للإنسان، ويوجب أصل الإيمان به، ولا يلزم التفصيل لأصول الإيمان المجمل، فالإيمان المجمل أن يقول: كل ما جاء به الرسول فهو حق وأنا ملتزم به، وكونه يلزمه معرفة تفصيل شيء معين، هذا لو اشترط في ثبوت أصل الإيمان، إذا بلغه صار هذا في حقه لازماً، بحيث لو كذب شيئاً بعد أن بلغه ما جاء به الرسول كفر، وهذا ليس له حد معين، يعني: لن نقول: إن جزءاً من التفصيل هو الذي به يتم أصل الإيمان، وما بعد ذلك هو مثلاً من كمال الإيمان، بل كل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، يلزم كل مؤمن إذا بلغه أن يصدقه، وأن يعتقد لزومه له، ثم يلزمه بعد ذلك أن يعمل به، لكن أصل الدين يثبت بهذا الإجمال، وأهل البدع لما خالفوا في هذه القضية ترددوا واختلفوا وتناقضوا، فتجدهم يشترطون بعض الأشياء، ولا يشترطون البعض الآخر، مع أن الدليل على وجوب الأمرين واحد، وهذا أصل ضلال الفرق المعاصرة المخالفة في قضايا الإيمان والقدر، وهو الذي جعلهم يقولون: بأن الإيمان المجمل لا يكفي في حصول أصل الإيمان.