وهناك فرق بين الرسالة والنبوة، فالنبي يبعث لتكميل العبودية، أما الرسالة فقد انحصرت له عليه الصلاة والسلام بكتاب وشريعة جديدة، وقد خُيّر في آخر عمره في أن يكون عبداً رسولاً أو أن يكون نبياً ملكاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً، والنبي رسول كما قال الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ}[الحج:٥٢].
خلاصة الكلام: أن العبد الرسول أعلى قدراً عند الله وأقل في سلطان الدنيا من غيره من المقربين، والأنبياء الملوك أعلى قدراً من المقربين بالإجماع ولا يوجد نزاع بين أن أفضل أولياء الله سبحانه وتعالى هم الأنبياء، وقد فضل الله بعضهم على بعض، والمفضول من الأنبياء أعلى باتفاق المسلمين من كل الأولياء.
ومن ضمن ضلالات ابن عربي أنه قال: إن الولي في درجة فوق النبي ودون الرسول.
فجعل أولاً النبي ثم الولي ثم الرسول في التفضيل، ولكن بإجماع: أن الأولياء دون الأنبياء، والأنبياء أعلى الأولياء قدراً.
قال المؤلف رحمه الله: (ولهذا كان أظهر أقوال العلماء: أن هذه الأموال تصرف فيما يحبه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بحسب اجتهاد ولي الأمر كما هو مذهب مالك وغيره من السلف، ويذكر هذا رواية عن أحمد، وقد قيل في الخمس أنه يقسم على خمسة، كقول الشافعي وأحمد في المعروف عنه، وقيل على ثلاثة، كقول أبي حنيفة رحمه الله، يعني: أن الشافعي وأحمد المشهور عنهما: أنهما يجعلان الخمس لخمسة، كما قال تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}[الأنفال:٤١] والإمام مالك قال: لا، الخمس يصرف في أي واحد من هؤلاء الخمسة، مثل الصدقات، والصدقات تصرف على ثمانية: فتصرف للفقراء وتصرف للمساكين وتصرف للمحتاجين، إذاً: فلا يلزم القسمة بالتساوي فيما بين هذه الأصناف.
والمقصود هنا: أن العبد الرسول هو أفضل من النبي الملك، كما أن إبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً عليهم الصلاة والسلام أفضل من يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، كما أن المقربين السابقين أفضل من الأبرار أصحاب اليمين، الذين ليسوا مقربين سابقين، فمن أدى ما أوجب الله عليه وفعل من المباحات ما يحبه فهو من هؤلاء، ومن كان إنما يفعل ما يحبه الله ويرضاه، ويقصد أن يستعين بما أبيح له على ما أمره الله فهو من أولئك.
أي: السابقين، أصحاب اليمين أقل درجة من المقربين، وأنهم كذلك أبرار بروا في أعمالهم، ولكن المقربين كما ذكرنا أدوا الواجبات وتركوا المحرمات، ويزاد على ذلك أنهم ما فعلوا المباحات إلا تقرباً منهم إليه سبحانه.