[اشتباه الحقائق الدينية والكونية على كثير من الناس]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
أما بعد: فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (وكثير من الناس تشتبه عليه الحقائق الأمرية الدينية الإيمانية، بالحقائق الخلقية القدرية الكونية.
فإن الله سبحانه وتعالى له الخلق والأمر، كما قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:٥٤].
فهو سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه، لا خالق غيره ولا رب سواه، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فكل ما في الوجود من حركة وسكون فبقضائه وقدره ومشيئته وقدرته وخلقه.
وهو سبحانه أمر بطاعته وطاعة رسله، ونهى عن معصيته ومعصية رسله) أي: أن الأمر الكوني القدري الذي به يكون ما يكون في الوجود، ودخل فيه الأمر الشرعي، فهو عز وجل يأمرك بطاعته وينهاك عن معصيته.
ثم يقول: (أمر بالتوحيد والإخلاص ونهى عن الإشراك بالله.
فأعظم الحسنات التوحيد، وأعظم السيئات الشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨].
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥].
وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك.
قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك) -أي: بزوجة جارك- فأنزل الله تصديق ذلك: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:٦٨ - ٧٠].
فأمر سبحانه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) يذكر شيخ الإسلام ويؤكد أن كل شيء هو بأمر الله عز وجل الكوني، ولا يعني ذلك إلغاء الأوامر الشرعية، بل إن هناك أموراً أمر بها، وهناك أشياء نهى عنها، مع أن الكل بخلقه وإرادته الكونية.
ثم يقول: (وأخبر أنه يحب المتقين، ويحب المحسنين، ويحب المقسطين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويحب الذي يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص.
وهو يكره ما نهى عنه، كما قال تعالى في سور الإسراء: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨]) إذاً: المحبة تابعة للأمر الشرعي، والكراهية تابعة لمخالفة الشرع، فالله عز وجل يكره مخالفة ما أمر به.
ثم يقول: (وقد نهى عن الشرك، وعقوق الوالدين، وأمر بإيتاء ذي القربى الحقوق، ونهى عن التبذير وعن التقتير، وأن يجعل يده مغلولة إلى عنقه وأن يبسطها كل البسط، ونهى عن قتل النفس بغير الحق، وعن الزنا، وعن قربان مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، إلى أن قال: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨].
وهو سبحانه لا يحب الفساد، ولا يرضى لعباده الكفر).
إذاً: الرضا ليس بمعنى الإرادة، فهؤلاء الكفرة خلقهم الله وهو لا يرضى فعلهم، ولا يرضى كفرهم، ولا يحب الفساد منهم.