[حقيقة الأمر الكوني والأمر الديني]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأما الأمر فقال -في الأمر الكوني-: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠].
وقال تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:٥٠]].
يعني: لا يقال: كن مرتين، وإنما أمر الله عز وجل واحداً.
وقوله: ((كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)) هذا تشبيه؛ لأن أقرب شيء نعرفه لمحة البصر؛ لكن الأمر أسرع منها، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].
ثم قال: [وقال تعالى: {أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:٢٤]].
يعني: أمر الله بإهلاك القرية الظالمة، حيث أتاها أمرنا في وقت من ليل الأرض أو نهارها، وليس ذلك الإهلاك يوم القيامة.
إذاً: فالإرادة الشرعية إرادة من الله، أما قوله: ((إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ))، فالذي أراد هو الله، وهذه إرادة كونية، أما قوله ((يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ))، فهذه أرادة شرعية، فلا يجوز أن تقول لما يريد العبد الهداية: إن الله لا يريد له الهداية.
والإيمان بالقدر أخبرنا الله سبحانه وتعالى به؛ من أجل أن نعلم أن الأمر بيده عز وجل.
إذاً: فإرادة الله الكونية صفة من صفاته، إرادته الشرعية كذلك صفة من صفاته، وهناك نوعان من الكلام، كما سيأتي، فكلمة: (أقيموا الصلاة) وآتوا الزكاة، ليستا مثل: (كن فيكون).
يعني: لو كانت (فأقيموا الصلاة) من جنس (كن فيكون) لأسرع الناس إلى إقامتها مثلما يجري الدم في عروقهم، ولكان الأمر كذلك في رمضان، فلا يقدر أحد أن يأكل في نهاره، وكذا وقت إخراج الزكاة فإذا لم تخرج خرجت بإرادة كن فيكون، وتصل للفقراء تلقائياً، لكن نقول: إن أمر أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، غير: (كن فيكون) وغير {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:٤٦] وغير: {اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا} [البقرة:٣٨] وغير {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا} [الأعراف:١٨]، فهذه أوامر كونية لابد من وقوعها وليست شرعية دينية.
ثم قال: [وأما الأمر الديني، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠]].
قوله: (إن الله يأمر بالعدل) لو كان هذا الأمر كونياً لما كان هناك ظلم في الدنيا أبداً؛ لكن المعنى: أنه شرع العدل وأمر به ولم يجبر الخق عليه، فهو يثيب من فعله، ويعاقب من تركه.
ثم قال: [وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:٥٨]].