[زمن وقوع الفتنة وأسبابها]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده، صار قوم ممن يحب عثمان ويغلو فيه ينحرف عن علي رضي الله عنه مثل كثير من أهل الشام ممن كان إذ ذاك يسب علياً رضي الله عنه ويبغضه، وقوم ممن يحب علياً رضي الله عنه ويغلو فيه ينحرف عن عثمان رضي الله عنه مثل كثير من أهل العراق ممن كان يبغض عثمان ويسبه رضي الله عنه، ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وزاد البلاء بهم حينئذ، والسنة محبة عثمان وعلي جميعاً، وتقديم أبي بكر وعمر عليهما رضي الله عنهم، لما خصهما الله به من الفضائل التي سبقا بها عثمان وعلياً، وقد نهى الله في كتابه عن التفرق والتشتت وأمر بالاعتصام بحبله].
يقول المؤلف رحمه الله: (وقد كانت الفتنة لما وقعت بقتل عثمان وافتراق الأمة بعده) يعني: أن الفتنة حصلت بقتل عثمان؛ لأنه قتل شهيداً مظلوماً وهو خليفة المسلمين، وذلك: أن بعض السفهاء جاءوا وتجمعوا من أقطار الدولة الإسلامية كالبصرة والكوفة ومصر وجعلوا يشيعون عيوب عثمان وينشرونها بين الناس، فعابوا عليه وقالوا: إن عثمان خالف الشيخين أبا بكر وعمر، فخفض صوته بالتكبير، وأخذ الزكاة على الفيء، وولى أقاربه، وأتم الصلاة في السفر، وجعلوا ينشرونها بين الناس حتى تجمع هؤلاء السفهاء وأحاطوا ببيته وقتلوه، فلما قتلوه انفتح باب الفتنة، ثم بويع علي رضي الله عنه، ثم امتنع أهل الشام عن البيعة فحصل القتال.
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله: (وَقَدْ كَانَتْ الْفِتْنَةُ لَمَّا وَقَعَتْ بِقَتْلِ عثمان وَافْتِرَاقِ الْأُمَّةِ بَعْدَهُ، صَارَ قَوْمٌ مِمَّنْ يُحِبُّ عثمان وَيَغْلُو فِيهِ يَنْحَرِفُ عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِثْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ؛ مِمَّنْ كَانَ إذْ ذَاكَ يَسُبُّ علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُبْغِضُهُ، وَقَوْمٌ مِمَّنْ يُحِبُّ علياً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَغْلُو فِيهِ ينحرف عن عثمان) يعني: انقسم الناس قسمين: قسماً أحبوا عثمان وزادوا في حبه وكرهوا علياً، بل سبوه، وقسماً أحبوا علياً وغلوا فيه، وانحرفوا عن عثمان رضي الله عنه.
ثم قال رحمه الله: (ثم تغلظت بدعتهم بعد ذلك حتى سبوا أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وزاد البلاء بهم حينئذ) وهذا مذهب الرافضة: سب الشيخين أبي بكر وعمر، وهذا من الردة.
قال المؤلف رحمه الله: (وَالسُّنَّةُ مَحَبَّةُ عثمان وعلي جَمِيعًا)، والترضي عنهما، قوله: (وَتَقْدِيمُ أبي بكر وعمر عليهما رضي الله عنهم) أي: في الفضيلة وفي الخلافة؛ لأن أبا بكر وعمر مقدمان في الخلافة وفي الفضيلة.
ثم قال: (لِمَا خَصَّهُمَا اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ الَّتِي سَبَقَا بِهَا عثمان وعلياً جَمِيعًا.
وَقَدْ نَهَى اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْ التَّفَرُّقِ وَالتَّشَتُّتِ؛ وَأَمَرَ بِالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ) يعني: لا يجوز للأمة أن تتفرق، بل يجب عليها أن تجتمع وأن تعتصم بحبل الله ودينه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فَهَذَا مَوْضِعٌ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَثَبَّتَ فِيهِ وَيَعْتَصِمَ بِحَبْلِ اللَّهِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ مَبْنَاهَا عَلَى الْعِلْمِ وَالْعَدْلِ وَالِاتِّبَاعِ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ.
فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ الصَّحَابَةَ، صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ، ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
] يقول المؤلف رحمه الله: (هذا موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله، فإن السنة مبناها على العلم والاتباع لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) يعني: مسألة ترتيب الصحابة في الخلافة، وترتيبهم في الفضيلة، والنزاع الذي جرى بين الصحابة، فهو موضع يجب على المؤمن أن يتثبت فيه ويعتصم بحبل الله، وإذا نظرنا إلى النصوص في كتاب الله وسنة رسوله لوجدنا أنها تترضى عن الصحابة وتبين فضلهم وسابقتهم.
فقوله: (فَالرَّافِضَةُ لَمَّا كَانَتْ تَسُبُّ الصَّحَابَةَ، صَارَ الْعُلَمَاءُ يَأْمُرُونَ بِعُقُوبَةِ مَنْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ) يعني: لما كان الروافض يسبون الصحابة كان العلماء يأمرون بعقوبة من يسب الصحابة، (ثُمَّ كَفَّرَتْ الصَّحَابَةَ وَقَالَتْ عَنْهُمْ أَشْيَاءَ) يعني: الرافضة كفروا الصحابة، بل كفروا أبا بكر وعمر، قال: (قَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُمْ فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)، فقد بيّن رحمه الله في الصارم المسلول على شاتم الرسول، أن من فسّق الصحابة وكفرهم فإنه يكون مرتداً؛ لأنه مكذب لله؛ ولأن الله تعالى زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، قال عز وجل: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٩٥] وقال سبحانه: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:١٨] وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح:٢٩]، هذه كلها تزكية، فالله زكاهم وعدّلهم، فمن كفرهم وفسقهم فقد كذب الله، ومن كذب الله كفر.