للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طبقات الناس عند ابن عربي]

وابن عربي يقسم الناس إلى أقسام: عامة، وخاصة، وخاصة الخاصة، فالعامة عليهم التكاليف، من صلاة وقيام وزكاة وحج وذكر.

ومن العامة جميع الأنبياء والمرسلين.

ثم الخاصة، وهؤلاء عندهم طاعات وليس عندهم معاصٍ، والعامة عندهم طاعات ومعاصٍ، وأما الخاصة فإنهم وصلوا إلى درجة ارتفعت عنهم التكاليف وليس عندهم معاصٍ، فكل ما يفعلونه طاعات، حتى ولو فعلوا الكفر والزنا والسرقة فهي طاعات؛ لأنهم تجاوزوا التكاليف.

وهناك خاصة الخاصة وهم الذين وصلوا إلى القول بوحدة الوجود والعياذ بالله! ويقول: إن العامة لهم أذكار، وأذكارهم: لا إله إلا الله، وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.

وأما الخاصة فيكفيهم في الذكر لفظ الجلالة، فلا يحتاج أحدهم أن يقول: لا إله إلا الله، بل يقول: الله، الله، الله، الله، الله، الله، الله، الله فهذه أذكار الخاصة.

ومن كان من خاصة الخاصة فلا يحتاج إلى لفظ الجلالة كاملة، بل يكتفي بالهاء من لفظ الجلالة، فتصير: هو، هو، هو، هو، هو، هو وهكذا، فهذه أذكار خاصة الخاصة، وهؤلاء موجودون الآن في كل مكان.

فتجد الصوفية في كل مكان، ولهم في كل بلد مئات الطرق، ولكل طريقة شيخ يقودهم إلى النار.

فبعض الطرق كفر، وبعضها بدع وهكذا، ولفظ (هو) أو (الله) ليست ذكراً وليس جملة مفيدة، فلفظ الجلالة وحده ليس فيه ذكر، ولا يفيد القلوب إيماناً ولا تقوى؛ إذ لابد للذكر أن يكون جملة مفيدة كالله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله، أما الله، الله، الله، الله فهذا ليس ذكراً.

وأما خاصة الخاصة فيأخذون الهاء فقط ويقولون: هو هو هو، يقول بعض الناس: ذهبت إلى أفريقيا فوجدت جماعة صوفية يجلسون من بعد العصر إلى غروب الشمس وهم يقولون: الله الله الله الله الله الله الله الله، وبعضهم يدور حتى يسقط ويغمى عليه، نسأل الله السلامة والعافية.

ويقول ابن عربي: عندي دليل على أن ذكر خاصة الخاصة (هو)، حتى إنه ألف كتاباً سماه كتاب (الهو) وقال: عندي دليل من القرآن على أن ذكر الخاصة (الله)، فاستدل بقوله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلِ اللَّهُ} [الأنعام:٩١]، فهذا دليل على أن هذا ذكر الخاصة (الله).

ويقول: الدليل على أن ذكر خاصة الخاصة (هو) قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران:٧] فهذا دليل على أن (هو) ذكر خاصة الخاصة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فقلت لبعض الصوفية: لو كان كما تقول: لكتبت الهاء منفصلة عن الكلمة التي قبلها وكتبت: (وما يعلم تأويل هو) لكن الآية فيها أن الهاء مرتبطة بما قبله: (وما يعلم تأويله)، والاتحادية والحلولية لا يؤمنون بالقرآن، لكن هذا من باب التغطية والنفاق وذر الرماد في العيون؛ حتى يدلسوا ويموهوا على الناس أنهم يعملون بالقرآن، وإلا فإن بعض الصوفية لما قيل له: إن القرآن يخالف ما تنكرون، قال: القرآن كله شرك من أوله إلى آخره والحق ما نقول، نعوذ بالله! وكثير من الصوفية الملاحدة إذا أذن المؤذن شتمه وقال: لأنه يذكر الله وهو يريد أن ينسى كل شيء! وإذا نبح الكلب أو نهق الحمار أثنى عليه؛ لأن الحمار والكلب ينسيه، والمؤذن يذكره بالله! وهذا المؤذن يثبت اثنين: أحدهما خالق والآخر مخلوق، والحمار والكلب ينسيه فلا يذكر إلا شيئاً واحداً أنه هو الرب وهو العبد.

والخاصة عندما يريدون أن يتوصلوا إلى مرتبة خاصة الخاصة يقولون له: انس كل شيء حتى نفسك، ولا تشاهد إلا الله حتى يغلب الشهود عليك، فيظن أنه هو الله، وأن الله اتحد به، فالمؤذن حينما يذكر الله يثبت اثنين؛ فلذلك يشتمه الصوفية الملاحدة قبحهم الله وأخزاهم.

فالمقصود: أن الاتحادية الآن من أكفر خلق الله، والحلولية أخف كفراً؛ لأنهم يقولون بوجود اثنين أحدهما حل في الآخر، والاتحادية يقولون: الوجود واحد، فقد اتحد الخالق بالمخلوق، بل ليس هناك خالق ولا مخلوق بل الوجود واحد، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>