للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أهل السنة والجماعة في يزيد بن معاوية]

[ولهذا كان الذي عليه معتقد أهل السنة وأئمة الأمة أنه لا يسب ولا يحب] يعني: الذي عليه أهل السنة أن يزيد لا يحب ولا يسب، أي: لا نحبه ولا نسبه.

ثم قال رحمه الله: [قال صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي -يعني: الإمام أحمد بن حنبل -: إن قوماً يقولون: إنهم يحبون يزيد.

قال: يا بني! وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت! فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني! ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟ وروي عنه: أنه قيل له: أتكتب الحديث عن يزيد بن معاوية؟ قال: لا، ولا كرامة، أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟ [فـ يزيد عِنْدَ عُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ، لَا يُحِبُّونَهُ مَحَبَّةَ الصَّالِحِينَ وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ؛ وَلَا يَسُبُّونَهُ، فَإِنَّهُمْ لَا يُحِبُّونَ لَعْنَةَ الْمُسْلِمِ الْمُعِينِ؛ لِمَا رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا كَانَ يُدْعَى حماراً، وَكَانَ يُكْثِرُ شُرْبَ الْخَمْرِ، وَكَانَ كُلَّمَا أُتِيَ بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ضَرَبَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَعَنَهُ اللَّهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لعنه لِأنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يجوِّز لعن فَاعِلِهِ.

وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى مَحَبَّتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَوَلَّى عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ؛ وَبَايَعَهُ الصَّحَابَةُ، وَيَقُولُونَ: لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ، وَكَانَتْ لَهُ مَحَاسِنُ أَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِيمَا فَعَلَهُ.

وَالصَّوَابُ: هُوَ مَا عليه الْأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُخَصُّ بِمَحَبَّةِ وَلَا يُلْعَنُ، وَمَعَ هَذَا فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا فَاَللَّهُ يَغْفِرُ لِلْفَاسِقِ وَالظَّالِمِ لَا سِيَّمَا إذَا أَتَى بِحَسَنَاتِ عَظِيمَةٍ.

وَقَدْ رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو قُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ)، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يزيد بن معاوية، وَكَانَ مَعَهُ أبو أيوب الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

] يقول المؤلف رحمه الله: (يزيد بن معاوية عند أئمة المسلمين ملك من الملوك لا يحبونه ولا يسبونه) هذا هو العدل والإنصاف، فيزيد بن معاوية ملك من ملوك المسلمين لا يحب ولا يسب، لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله ولا يسبونه؛ لأنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين، واستدل بحديث البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أن رجلاً كان يدعى حماراً، وكان يكثر شرب الخمر، وكان كلما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضربه، فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لعن شارب الخمر، لكن لعنه على العموم جائز، وهناك طائفة من أهل السنة يجيزون لعن يزيد، وطائفة يقولون: لا يلعن، والذين قالوا: لا يلعن هم الجمهور، وهذا هو الصواب.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) وَمَعَ هَذَا فَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُجِيزُونَ لعنه؛ لِإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ فَعَلَ مِنْ الظُّلْمِ مَا يجوِّز لعن فَاعِلِهِ، فيقولون: له منكرات ومعاص توجب لعنه، والذين لا يلعنونه يقولون: الأصل في المؤمن أنه لا يلعن.

وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تَرَى محبة يزيد؛ لأنه مسلم وتولى على عهد الصحابة، ويزيد بن معاوية مسلم بايعه الصحابة.

فبين المؤلف رحمه الله الصواب، فقال: الصواب في هذه المسألة: هو ما عليه الأئمة من أنه لا يخص بمحبة ولا بلعن، فلا نحبه ولا نلعنه، ومع هذا فإن كان فاسقاً أو ظالماً كما تقولون فالله يغفر للفاسق والظالم، لا سيما إذا أتى الفاسق بحسنة عظيمة تمحو سيئاته، وقد ثبت في صحيح البخاري أن يزيد فعل حسنة وهي الجهاد في سبيل الله، فقَدْ رَوَى البخاري فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَالَ: (أَوَّلُ جَيْشٍ يَغْزُو قُسْطَنْطِينِية مَغْفُورٌ لَهُ)، وَأَوَّلُ جَيْشٍ غَزَاهَا كَانَ أَمِيرُهُمْ يزيد بن معاوية وَكَانَ مَعَهُ أبو أيوب الأنصاري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ]، فدل ذلك على أنه لا ينبغي لعنه وسبه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وَقَدْ يُشْتَبَهُ يزيد بن معاوية بِعَمِّهِ يزيد بن أبي سفيان، فَإِنَّ يزيد بن أبي سفيان كَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ خَيْرُ آلِ حَرْبٍ، وَكَانَ أَحَدَ أُمَرَاءِ الشَّامِ، الَّذِينَ بَعَثَهُمْ أبو بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فُتُوحِ الشَّامِ، وَمَشَى أبو بكر فِي رِكَابِهِ يُوصِيهِ مُشَيِّعًا لَهُ فَقَالَ لَهُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ: إمَّا أَنْ تَرْكَبَ وَإِمَّا أَنْ أَنْزِلَ، فَقَالَ: لَسْتُ بِرَاكِبِ وَلَسْتَ بِنَازِلِ، إنِّي أَحْتَسِبُ خُطَايَ هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ بَعْدَ فُتُوحِ الشَّامِ فِي خِلَافَةِ عمر وَلَّى عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَكَانَهُ أَخَاهُ معاوية، وَوُلِدَ لَهُ يزيد فِي خِلَافَةِ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وَأَقَامَ معاوية بِالشَّامِ إلَى أَنْ وَقَعَ مَا وَقَعَ.

فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يزيد بن معاوية وَامْتِحَانِ الْمُسْلِمِينَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنْ الْجُهَّالِ أَنَّ يزيد بن معاوية مِنْ الصَّحَابَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الصَّالِحِينَ وَأَئِمَّةِ الْعَدْلِ، وَهُوَ خَطَأٌ بَيِّنٌ.

] يقول المؤلف رحمه الله: إن يزيد بن معاوية يشتبه بعمه يزيد بن أبي سفيان وهناك فرق بينهما، فإن يزيد بن أبي سفيان كان من الصحابة، وهو أخو معاوية، وأبوه أبو سفيان بن حرب وأبو سفيان أسلم يوم فتح مكة، وأسلم معه ابنه معاوية، وابنه يزيد، فهم من الصحابة معاوية ويزيد، معاوية الذي تولى الخلافة حين تنازل عنها الحسن بن علي، وولِد له يزيد، فتولى الخلافة بعد موت أبيه، فصار يزيد بن معاوية غير يزيد بن أبي سفيان، فـ يزيد بن أبي سفيان هو عم يزيد بن معاوية، ولذا قال المؤلف: (يشتبه هذا بهذا، فإن يزيد بن أبي سفيان كان من الصحابة، وكان من خيار الصحابة، وهو خير آل حرب، وكان أحد أمراء الشام الذين بعثهم أبو بكر رضي الله عنه في فتوح الشام) يعني: يزيد بن أبي سفيان صحابي جليل، وهو خير آل حرب.

وكان أحد أمراء الشام الذين بعثهم أبو بكر رضي الله عنه في خلافته في فتوح الشام، ومشى أبو بكر مع يزيد بن أبي سفيان لما بعثه في فتوح الشام، مشى معه يوصيه ويشيعه، فقال يزيد بن أبي سفيان لـ أبي بكر: يا خليفة رسول الله! إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال الصديق: لست براكب ولست بنازل إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله.

انظر إلى التواضع العظيم، فخليفة المسلمين أبو بكر الصديق الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها مشى على قدميه ليشيع يزيد بن أبي سفيان ويوصيه، فـ يزيد بن أبي سفيان كان يقول: أنت تمشي على الأرض، وأنت خليفة المسلمين، وأنا أركب، هذا لا يمكن، إما أن تركب معي، وإما أن أنزل أنا إلى الأرض ونمشي سوياً، فرفض الصديق وقال: لا أركب ولا تنزل؛ إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، أي: أريد الأجر.

فتوفي يزيد بن أبي سفيان بعد فتوح الشام في خلافة عمر، فولى عمر رضي الله عنه مكانه أخاه معاوية، ولاه الشام، وولد له يزيد في خلافة عثمان بن عفان، وأقام معاوية في الشام إلى أن حصل ما حصل من الخلاف بينه وبين علي رضي الله عنه لما بويع له بالخلافة، وامتنع أهل الشام عن بيعته حتى حصل القتال.

يقول المؤلف رحمه الله: (فَالْوَاجِبُ الِاقْتِصَارُ فِي ذَلِكَ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ذِكْرِ يزيد بن معاوية) يعني: أن الواجب الاقتصاد في يزيد، وسلوك مسلك الاقتصاد والعدل، فلا يسب

<<  <  ج: ص:  >  >>