للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوحيد أعلى أصول الإيمان وأفضلها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فالأول مثل أصول الإيمان وأعلاها وأفضلها هو التوحيد، وهو شهادة أن لا إله إلا الله كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].

وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥].

وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:١٣].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥١ - ٥٢]].

ذكر المؤلف رحمه الله في المقدمة أن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة وسطاً أي: عدلاً خياراً، وجعلهم شهداء على الناس، وهداهم لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، ثم خصهم بعد ذلك فيما ميزهم به، وفضلهم من الشرعة والمنهاج.

ثم قال: فالأول: مثل أصول الإيمان، والأول: المراد به الدين الذي شرعه لجميع الخلق، وهداية الله لهذه الأمة لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه مثل أصول الإيمان.

وأما الثاني: وهو ما ميزهم به وفضلهم من الشريعة والمنهاج، وهذا سيأتي ذكره، وأما الثاني: فكما أنزله في السور المدنية من شرائع دينه.

إذاً: فقد هدى الله هذه الأمة لما بعث به رسله من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، مثاله: أصول الإيمان، والإيمان بجميع الكتب المنزلة، والإيمان باليوم الآخر، وأصول الشرائع، وهذا مثال للدين الذي شرعه لجميع خلقه الذي هدى الله له هذه الأمة.

مثال الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وهدى هذه الأمة له، الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وبعث به رسله، مثاله: أصول الإيمان، والإيمان بجميع الكتب المنزلة، والإيمان باليوم الآخر، ومثل: أصول الشرائع.

أما الأمر الثاني الذي خصهم به بعد ذلك فهو: فيما ميزهم به وفضلهم من الشريعة والمنهاج، والذي جعل لهم مثاله، أي: مثال ما خصهم به، وفضلهم من الشريعة والمنهاج، سيأتي في قول المؤلف رحمه الله: [وأما الثاني: فما أنزله الله في السور المدنية لشرائع دينه، وما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته].

فهذه الأمة هديت إلى الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه وهو الذي بعث به الرسل، وهي أصول: الإيمان، مثل: الإيمان بأصول الإيمان: الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وأعلى أصول الإيمان وأطولها هو: التوحيد، وهو: شهادة أن لا إله إلا الله؛ لأن أصول الدين متفاوتة في الرتبة، فالشهادة لله تعالى بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة الشهادة المسماة: كلمة التوحيد إذا أطلقت فإنها تدخل فيها الشهادة الثانية، أي: أن شهادة أن لا إله إلا الله إذا أطلقت دخلت فيها شهادة أن محمداً رسول الله؛ لأنهما كلمتان لا تختص إحداهما بدون الأخرى، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم يقبل منه، ومن شهد أن محمداً رسول الله ولم يشهد أن لا إله إلا الله لم يقبل منه، وإذا أطلقت إحداهما دخلت الأخرى فيها ولهذا نفى الله الإيمان عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يزعمون أنهم آمنوا بالله، قال سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩].

فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة:٢٩]، فنفى عنهم الإيمان مع أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله، لكن لما لم يشهدوا أن محمداً رسول الله بطلت شهادتهم لله بالوحدانية، فنفى الله عنهم الإيمان.

ولذا فإن أصول الإيمان الذي هو الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه، والذي بعث به رسله، هو الإيمان بالله، والإيمان بالملائكة، والإيمان بالكتب المنزلة، والإيمان بالرسل، والإيمان باليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، وهي أركان الإيمان الستة التي دل عليها الكتاب العزيز التي بينها الله تعالى في كتابه بقوله عز وجل في آية البر: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:١٧٧]، فذكر الله في هذه الآية خمسة أصول، والأصل السادس القدر ذكره الله تعالى في قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩].

{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان:٢].

وذكرت أيضاً هذه الأصول في حديث جبرائيل: (حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام؟ ثم سأله عن الإيمان؟ فقال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره).

فهذه أصول الإيمان، وهذه هي أصول الدين، وهذا هو الدين الذي شرعه الله لجميع خلقه، وبعث به رسله، وهدى الله له هذه الأمة، وهذه الأصول الستة جاءت في القرآن العزيز والسنة المطهرة، بل إن الكتب المنزلة كلها جاءت فيها هذه الأصول، والرسل كلهم جاءوا بهذه الأصول، وأجمع المسلمون عليها، ولم يجحدوا أحداً منها إلا من خرج عن دائرة المسلمين وصار من الكافرين، وأعلى هذه الأصول وأفضلها هو: التوحيد، وهو: الشهادة لله تعالى بالوحدانية، والنبي صلى الله عليه وسلم برسالته؛ لأن الإيمان بالله هو أصل الدين وأساس الملة، فلهذا صار أعلاها وأفضلها، ولأن الأعمال متوقفة صحتها على هذا الأصل العظيم، وهو الإيمان بالله، فلا يصح أي عمل حتى ينبني على الإيمان بالله وتوحيده عز وجل.

ثم استدل المؤلف رحمه الله بالآيات، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، ومعنى لا إله: أي: لا معبود بحق إلا الله، وقوله هنا: (لا إله إلا أنا فاعبدون)، أي: لا معبود بحق إلا أنا فاعبدوني، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].

وهذه الآية مشتملة على ما اشتملت عليها كلمة التوحيد من النفي والإثبات،: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ} [النحل:٣٦] وهذا أمر بالإيمان بالله: {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، فقد أمر بالكفر بالطاغوت، {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] ففيها النفي والإثبات كما في كلمة التوحيد، لا إله: معناه: اجتناب الطاغوت، إلا الله: معناه: عبادة الله والإيمان بالله، وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥]، فقد تضمنت إثبات توحيد الله عز وجل، وهذا من تمام النفي، وبيان أن الله تعالى لم يجعل من دونه آلهة.

وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:١٣]، وهذا هو الدين الذي بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وهي أصول الإيمان، من الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥١ - ٥٢] والشاهد قوله: {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥٢]، والمعنى: اتقوني أنا ربكم، إذ هو المعبود وحده سبحانه وتعالى بالحق، وقوله فاتقون، التقوى أصلها: توحيد الله، وإخلاص الدين له، ثم الالتزام بشرائع الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>