[القرآن كلام الله تعالى]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فصل: ومن ذلك الاقتصاد في السنة واتباعها كما جاءت بلا زيادة ولا نقصان، مثل الكلام في القرآن وسائر الصفات، فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، هكذا قال غير واحد من السلف؛ وروي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وكان من التابعين الأعيان قال: مازلت أسمع الناس يقولون ذلك].
قوله: (الاقتصاد في السنة واتباعها كما جاءت) هذا مما جاءت به السنة، وهو أن المسلم يقتصد في السنة ويتبعها كما جاءت من غير غلو ولا زيادة ولا نقصان، مثل الكلام في القرآن وسائر الصفات، وهو أن يثبت الصفات لله، ومن ذلك الكلام، فإن القرآن كلام الله.
ولهذا قال المؤلف: (فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق) كما قال تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:١٩٣ - ١٩٤]، فهو منزل غير مخلوق، وقد كفّر العلماء من قال: إن القرآن مخلوق.
وقوله: (منه بدأ وإليه يعود) منه بدأ: يعني تكلم الله به، خلافاً للأشاعرة الذين يقولون: لم يتكلم به، وإنما الكلام معنى قائم بالنفس، وجبريل لم يسمع من الله حرفاً ولا صوتاً، ولكنه اضطر جبريل، ففهم الكلام القائم بنفسه فعبر عنه، فالقرآن عبارة عبّر بها جبريل، وبعضهم يقول: عبّر بها محمد، وبعضهم يقول: أخذه جبريل من اللوح المحفوظ، والله لم يتكلم بحرف ولا صوت.
وهذا من أبطل الباطل.
وقوله: (وإليه يعود) في آخر الزمان، وذلك إذا ترك الناس العمل به نزع القرآن من الصدور ومن المصاحف، وهو من أشراط الساعة الكبرى نعوذ بالله، فيصبح الناس لا يجدون في صدورهم أو في مصاحفهم آية، نعوذ بالله.
(هكذا قال غير واحد من السلف.
وروى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وكان من التابعين الأعيان قال: مازلت أسمع الناس يقولون ذلك) أي: يقولون: بأن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم، وهو كلام الله لا كلام غيره وإن تلاه العباد، وبلغوه بحركاتهم وأصواتهم؛ فإن الكلام لمن قاله مبتدئاً لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:٦] وهذا القرآن في المصاحف كما قال تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:٢١ - ٢٢]، وقال تعالى: {يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:٢ - ٣]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:٧٧ - ٧٨].
] وهذا هو الحق المبين، فالمؤلف رحمه الله يقول: (والقرآن الذي أنزله الله على رسوله هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم) أي: أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وسمعه جبرائيل من الله، ونزل به جبرائيل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم: (هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم، وهو كلام الله لا كلام غيره وإن تلاه العباد وبلغوه بحركاتهم وأصواتهم؛ فإن الكلام لمن قاله مبتدئاً لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً) فإذا قرأت القرآن كنت مبلغاً مؤدياً، والكلام كلام الله، فإذا قرأ أحد هذا الشعر فقال: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل قال: هذا البيت لـ امرئ القيس وليس من كلامي وإنما أنا مبلغ مؤد.
وإذا قال قائل: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)، قلت: هذا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وأنت تبلغه، وليس من كلامك؛ فالكلام لمن قاله مبتدئاً لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً.
وكذلك القرآن كلام الله، فإذا قرأه القارئ فهو يقرأ كلام الله، وهو مبلغ له، فالكلام لمن قاله مبتدءاً لا لمن قاله مبلغاً مؤدياً، قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} [التوبة:٦]، والشاهد قوله: {حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، فدل على أن القرآن مسموع، وهذا القرآن في المصاحف كما قال سبحانه: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج:٢١ - ٢٢]، وقال: {يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ} [البينة:٢ - ٣] وقال: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ} [الواقعة:٧٧ - ٧٨]، فالقرآن كلام الله على أي حال كان؛ فإن قرأه القارئ فالمقروء كلام الله، وإن سمعه السامع فالمسموع كلام الله، وإن كتبه الكاتب فالمكتوب كلام الله، وإن حفظه الحافظ فالمحفوظ كلام الله، فكلام الله مقروء بالألسن، مكتوب في المصاحف، محفوظ في الصدور، معلوم في القلوب.