للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طوائف أهل الضلال والاعوجاج]

قوله رحمه الله تعالى: (وجنبهم طريق أهل الضلال والاعوجاج، الخارجين عما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الشرعة والمنهاج).

جنبهم أي: جعلهم في جانب، وأهل الضلال في جانب آخر، والمعنى: جعلهم بعيدين متجنبين لطريق أهل الضلال والاعوجاج، الخارجين عما بعث الله به رسوله من الشريعة والمنهاج، وأهل الضلال والاعوجاج طائفتان: الطائفة الأولى: المغضوب عليهم الذين علموا ولكنهم لم يعملوا بعلمهم، ويدخل في ذلك اليهود دخولاً أولياً، وكل من فسد من علماء هذه الأمة.

الطائفة الثانية: الضالون وهم الذين لم يتعلموا، وإنما عملوا على جهل وضلال، وليس على بصيرة، كالصوفية والزهاد الذين يتخبطون في الظلمات من دون بصيرة ولا علم.

وقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى أن ندعو في كل ركعة من ركعات الصلاة بأن يهدينا صراط المنعم عليهم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم وطريق الضالين، وذلك في سورة الفاتحة التي هي ركن في كل ركعة من ركعات الصلاة قال تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧].

هذا الدعاء أنفع دعاء وأعظمه وأجمعه، وحاجة العبد إلى هذا الدعاء أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أعظم من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبيه؛ لأنه إذا فقد الطعام والشراب والنفس مات، والموت لابد منه، ولا يضر الإنسان كونه يموت إذا كان مستقيماً على صراط الله ودينه، لكن إذا فقد الهداية مات قلبه وروحه فصار إلى النار والعياذ بالله، فأيهما أشد موت القلب أو موت البدن؟ وقد قسم الله تعالى الناس إلى ثلاثة أقسام: منعم عليهم، ومغضوب عليهم، وضالون.

وقوله رحمه الله: (حتى يكونوا ممن أعظم الله عليهم المنة بمتابعة الكتاب والسنة) هذا دعاء لهم أن يوفقهم الله لسلوك سبيله، وأن يعينهم على طاعته، وأن يجعلهم معتصمين بحبله، مهتدين لصراطه، وأن يجنبهم طريق أهل الضلال حتى يكونوا بذلك ممن أعظم الله عليهم المنة بمتابعة الكتاب والسنة، وهذا فيه دليل على أن من اتبع الكتاب والسنة فإن الله تعالى قد أعظم عليه المنة، كما قال سبحانه وتعالى في المؤمنين: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:٧ - ٨]، فهي منة من الله ليس لك حول ولا قوة، فلست أنت الذي هديت نفسك كما تزعمه الجبرية والقدرية والمعتزلة فإنهم يقولون: الإنسان هو الذي هدى نفسه، وهو الذي أضل نفسه، وهذا من أبطل الباطل فمن اتبع الكتاب والسنة فإن الله قد أعظم عليه المنة، وأنعم عليه بنعمة دينية خصه بها دون غيره ممن خذله.

إذاً: متابعة الكتاب والسنة ليست بحولك ولا بقوتك، ولكنها منة من الله ونعمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>