فأخبر سبحانه أن ما يدعى من دون الله ليس له مثقال ذرة في الملك، ولا شرك في الملك، وأنه ليس له من الخلق عون يستعين به، وأنه لا تنفع الشفاعة عنده إلا بإذنه].
هذه الآية يقول العلماء: قطعت عروق الشرك؛ فإن الله سبحانه وتعالى بين فيها أن العابد إنما يعبد معبوداً لما يرجوه من النفع، فلا يعبده إلا ليرجو حصول النفع، والنفع لا يحصل من أحد إلا بأمور أربعة: الأمر الأول: أن يكون المرجو مالكاً للشيء الذي يريده عابده حتى يعطيه.
الأمر الثاني: إن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك.
الأمر الثالث: إن لم يكن شريكاً للمالك كان معيناً ومساعداً وظهيراً.
الأمر الرابع: إن لم يكن معيناً ولا مساعداً صار شفيعاً.
وقد نفى الله هذه الأمور الأربعة واحداً بعد واحد مرتباً لها منتقلاً من الأعلى إلى الأدنى.
وتبين بذلك أن المعبودين من دون الله لا يستطيعون نفع معبوديهم بأي نوع من أنواع النفع، فقال سبحانه:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[سبأ:٢٢] قل لهم يا محمد: ادعوا الذين زعمتم أنكم تدعونهم: {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ}[سبأ:٢٢] نفى عنهم الملك، فلا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض على سعتهما وكبرهما وعظم أجسامهما، فكيف تعبدونهم وما عندهم شيء؟! ثم قال سبحانه:{وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ}[سبأ:٢٢] فنفى عنهم الشركة، وقال: لا يملكون شيئاً، وليس لهم شركة في أي شيء، ثم قال سبحانه:{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:٢٢] يعني: ليس لله مساعد ومعين منهم، فهذا الأمر الثالث.
ثم جاء الأمر الرابع:{وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}[سبأ:٢٣]، فقطعت هذه الآية عروق الشرك التي يتعلق بها المشركون، فإن الله بين أنهم لا يملكون، وليس لهم شركة في الملك، وليسوا معينين ولا مساعدين لله وليس لهم الشفاعة إلا بإذن الله.