[اقتداء ابن تيمية بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الرسائل]
هذه الرسالة سميت بالوصية الكبرى، وذلك لتوسعه في بيان ما تشمله العقائد والأعمال والأحوال، وله رسالة أخرى تسمى الوصية الصغرى، فوجه الإمام رحمه الله هذه الرسالة إلى عموم المسلمين، فقال رحمة الله عليه: قوله رحمه الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم).
الشيخ الإمام رحمه الله افتتح كتابه بالبسملة تأسياً بالكتاب العزيز، فإن الله سبحانه وتعالى افتتح كتابه بالبسملة ثم ابتدأه بالحمد والثناء على الله ثم قال:(من أحمد بن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين) اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في كتابته ورسائله إلى الملوك ورؤساء القبائل والعشائر وغيرهم، فإنه عليه الصلاة والسلام لما كتب الكتاب إلى هرقل عظيم الروم قال:(من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى.
أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}[آل عمران:٦٤])، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بذكر اسمه فقال:(من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم)، وشيخ الإسلام اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال:(من أحمد بن تيمية إلى من أرسل إليه هذا الكتاب).
فكان هذا الإمام يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء.
إذاً: هذه الوصية لعموم المسلمين وسميت بالوصية الكبرى لتوسعه رحمه الله فيها، وتفصيله في بيان ما تشتمل عليه، كأصول الإيمان وأصول الدين ثم توسع فيها فقال:(من أحمد بن تيمية إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين المنتسبين إلى السنة والجماعة)، ثم خصص فقال:(المنتمين إلى جماعة الشيخ العارف القدوة أبي البركات عدي بن مسافر الأموي رحمه الله ومن نحا نحوهم).
فكأنه وجه هذه الرسالة إلى جماعة الشيخ العارف القدوة أبي البركات عدي بن مسافر الأموي، لأنهم طلبوا منه أن يكتب لهم هذه الرسالة، أو لأنه رأى أن يوجه الخطاب إليهم لعنايته بهم، وكونه يريد أن يخصهم بهذه الوصية؛ لأنه رحمه الله رأى أنهم على معتقد أهل السنة والجماعة فأراد أن يزودهم، ولم يقدر لي أن أطلع على ترجمة أبي البركات عدي بن مسافر الأموي حتى يتبين معتقده هل عليه مؤاخذات في العقيدة أو لا؟ والمؤلف رحمه الله وجه الخطاب إلى عموم المسلمين، ثم خص بعد التعميم، فوجه الخطاب إلى جماعة أبي البركات عدي بن مسافر رحمه الله ودعا لهم، وهذا من نصحه رحمه الله، أنه يعلم ويدعو، وكذلك الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فإنه يعلم ويدعو، يقول في رسائله:(اعلم -أرشدك الله لطاعته- أن الحنفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصاً له الدين).
ويقول:(أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة وأن يجعلك مباركاً حيثما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر) فهؤلاء العلماء الربانيون يعلمون الناس ويدعون لهم وهذا من نصحهم، فالشيخ الإمام أحمد بن تيمية رحمه الله وجه هذه الوصية العظيمة لعموم المسلمين ودعا لهم بالتوفيق فقال:(وفقهم الله لسلوك سبيله)، لأن الله إذا وفق العبد، فإنه يسلك سبيل الحق، وإذا لم يوفقه بأن يخذله فإنه يكله إلى نفسه، ولا يكله إليه، فالتوفيق من الله.