[بيان كون الغلو في الصالحين وسيلة إلى الشرك]
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى مثل الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ويغوث ويعوق ونسر أو وغير ذلك لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق أو أنها تنزل المطر أو أنها تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء أو يعبدون قبورهم ويقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون: هم شفعاؤنا عند الله.
فأرسل الله رسله تنهى أن يُدعى أحد من دونه لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٦ - ٥٧].
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح وعزيراً والملائكة فقال الله لهم: هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي كما تتقربون، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي].
بين المؤلف رحمه الله أن الذين يدعون مع الله آلهة أخرى إنما شركهم بدعاء غير الله أو النذر لغير الله، وليس شركهم في اعتقادهم أنهم يخلقون أو يرزقون، فالذين يعبدون مع الله آلهة أخرى لا يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون أو يحيون أو يميتون، بل يقولون: هذا من خصائص الله، لكن شركهم هو في صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله، فيخصونهم بالدعاء أو الذبح أو النذر أو الطواف.
فبعض الناس إذا قلت له: إذا دعوت غير الله فهو شرك، قال: أنا ما أعتقد أنه يخلق ويرزق، أنا أقول: إن الله هو الذي يخلق ويرزق وهذا لا يخلق ولا يرزق وليس بيده شيء من الأمر، لكن أدعوه حتى ينقل حوائجي إلى الله ويقربني إلى الله؛ لأنه وجيه، وهو واسطة بيني وبين الله.
فنقول: هذا هو الشرك بعينه، فهذا هو شرك المشركين، كما قال عز وجل: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:١٨]،وقال عنهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:٣]، فلا يشترط أن تعتقد أنه يخلق ويرزق، بل نقول: لو اعتقدت أنه يخلق ويرزق لكان شركاً في الربوبية أعظم من الشرك في الألوهية، فكونك تدعوه أو تذبح له أو تنذر له هذا شرك في العبادة.
ولهذا قال المؤلف: والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى مثل: الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ويغوث ويعوق ونسراً وغير ذلك من المعبودات التي كان يعبدها المشركون لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو أنها تنزل المطر، أو أنها تنبت النبات.
وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء أو يعبدون قبورهم ويقولون: إنما نعبدهم لقربونا إلى الله زلفى، ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
إذاً: فهم يعبدونهم لا لأنهم يعتقدون أنهم يخلقون أو يرزقون أو يحيون أو يميتون، بل يعبدونهم لأجل القربة والشفاعة فقط.
فيقولون: هم أقرب منا إلى الله ينقلون حوائجنا إلى الله، ويشفعون لنا عند الله، فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دون الله، لا دعاء عبادة ولا دعاء استغاثة، ودعاء العبادة: كأن يركع له أو يسجد له، ودعاء الاستغاثة: كأن يستغيث به ويستنجد به ويسأله، فهذا وهذا كلاهما نوع من الشرك.
قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلا تَحْوِيلًا * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء:٥٦ - ٥٧].
قال طائفة من السلف: كان أقوام يدعون المسيح -يعني: عيسى- وعزيراً والملائكة، فقال الله لهم: هؤلاء الذين تدعونهم يتقربون إلي كما تتقربون، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي، ثم بين الله تعالى أنهم لا يملكون كشف الضر، يعني: إزالة الضر، ولا تحويله: أي نقله من حال إلى حال، فكيف يعبدون من دون الله؟! قال تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء:٥٧] يعني: كما قال بعض السلف: هؤلاء الذين تدعونهم هم محتاجون إلي يتقربون إلي كما تتقربون إلي، ويرجون رحمتي كما ترجون رحمتي، ويخافون عذابي كما تخافون عذابي.
إذاً: إذا كانوا محتاجين فلا يصلحون آلهة، فالإله الكامل لا يحتاج إلى أحد، وهؤلاء الذين تعبدونهم يحتاجونني ويدعونني كما تدعونني، ويخافونني كما تخافونني.